قصة إن الممثلين، ونجوم المجتمع، منى زكي وأحمد حلمي سافروا أمريكا عشان منى تولد ابنها، سليم، في أمريكا مناسبة كويسة لمناقشة حالة “الوطنية المصرية” في 2014.
أغلبنا عارف إن اللي عملته منى زكي انتشر في السنين، الكتيرة، الأخيرة انتشار النار في الهشيم. تقريبا خطة الحصول على جنسية غربية لابنك أو بنتك، وبالتالي لنفسك، من خلال الإنجاب في الخارج بقت شبه قانون عام في أوساط الطبقة العليا والطبقة الوسطى العليا.
بنظرة أوسع شوية هنلاقي الظاهرة دي جزء من حاجة أكبر.
تفتكر كام مصري لما بيمرض مرض كبير بيبقى نفسه يسافر بره مصر عشان يتعالج؟ تفتكر كام شاب وشابة مصريين متعلمين بيحلموا يتعلموا بره مصر؟ تفتكر كام غلبان وعامل وموظف ومهني بيحلموا يلاقوا عقد عمل بره مصر؟
كتلة مهولة من المصريين نفسها، بطريقة أو بأخرى، تهرب من البلد، مفيش حد واثق في الطب أو في التعليم في مصر، والكل عارف إن كل حاجة بايظة وإن مفيش حاجة صح، حتى المستفيدين من البوظان واللي صانعينه.
الموضوع عابر للطبقات، اللي بيهرب بباسبور مضروب في مركب تتقاذفها الأمواج ويا عالم هيوصل ولا لأ، واللي بيهرب في البيزنيس كلاس في طيارة شيك. الكل بينط ويجري، سواء اللي قادر على ده، أو اللي قاعد يحلم بده زي يوسف ابن الشيخ حسني في الكيت كات.
الهجرة، أو السفر، كان دايما جزء من حياة البشر وتاريخهم. وأسباب الهجرة والانتقال تعددت وتنوعت، لكن من أهمها كان العزو الاستعماري، والهرب من جحيم الوطن، والسعي للرزق.
إحنا طبعا كمصريين حظنا في مسألة الغزو الاستعماري دي مش قد كده، ومعظم تاريخنا الحديث كانت الهجرات الاقتصادية محدودة، لحد ما أدى عصر النفط وتغير موازين القوى الإقليمية إلى موجات هائلة من السفر زلزلت البنيان الاجتماعي للبلد.
الجانب الطبقي في الظاهرة دي مش في إن فيه طبقة عايزة تهج وطبقة لأ.. الجانب الطبقي هو في حظ كل طبقة وقدرتها على إنها تحقق الطلب ده وطريقته في تحقيقه.
فيه ناس بتسافر عشان تاكل عيش، بس تاكل عيش بدل ما تموت، وبتروح بلد تانية عشان تعيش عيشة العبيد فيها. يعني فيه ناس بتسافر من عبودية إلى عبودية تانية، ربما أحسن شوية من نواحي معينة، بالتحديد نواحي مالية.
وفيه ناس بتسافر عشان تضمن لنفسها وضع طبقي معين قادرة تشتريه بفلوسها.
فيه ناس بتسافر شوية وترجع، أحيانا كتيرة مطرودة وخسرانة فلوسها، وفيه ناس بتسافر عشان تحظى بحق المواطنة في أكتر من بلد، بفلوسها.
كل ده نابع من حاجة بسيطة: انهيار مصر. الهجرات الحالية، والسعي للحصول على جنسيات أخرى، والسفر سعيا وراء الرزق، والمراكب الغرقانة في المتوسط، كلها نتايج لانهيار بطيء حاصل. الهروب الكبير الحاصل، أو على الأقل محاولات الهروب الكبير الحاصلة، مش سببها إن في السفر سبع فوايد، وإن الناس نفسها تنوع تجربتها، لا، سببها إن مصر مش قادرة تقدم لسكانها إلا أقل القليل، سببها إن الأغنيا مش قادرين يتعايشوا مع الوضع الزبالة، وإن الفقرا مش قادرين مجرد ياكلوا عيش في الوضع الزبالة.
أثر ده على الوطنية كبير قوي. الوطنية هي حالة حب وفخر وانتماء لما يطلق عليه وطن. وبغض النظر عن تحليل أصل وحدود الظاهرة دي، فهي بعافية في مصر.
العصر الحالي هو عصر تمزق الوطنية المصرية بشكل غير مسبوق من ساعة ما تم اختراعها من أكتر من ميت سنة.
أقصد بتمزق الوطنية المصرية إنها بقت فقاعة وكذبة كبيرة. الكل عايز يهرب، والكل قرفان، والكل بياخد إجراءات عشان يهرب لو قدر، بس الطنين الوطني يصم الآذان.
“إحنا بنحب ماسر” شعار زهقنا منه بيردده الكل بفجاجة، بالذات رجال السلطة والأغنيا اللي الكذب عندهم كالتنفس، لكن الكل في الوقت نفسه بيحلم ينجو بنفسه. المسافة بين الرطان الكلامي وبين الواقع وصلت لدرجة من التناقض والبذاءة غير مسبوقة.
لما أيديولوجيا، وأنا هنا بتكلم على أيديولوجيا الوطنية، تبقى مفارقة للواقع للحد المرعب ده، دي بتبقى علامة انهيار. لما عالم الأفكار يبقى أكاذيب فاقعة لدرجة إن مفيش حد مصدقها عمليا بتبقى دي إشارة لإن المجتمع ممزق وفي حالة أزمة ضخمة.
الشوفينية المصرية هي رد فعل في السيكولوجيا الجماعية لحالة الانهيار. طبعا الثورة خلقت الحالة دي، لأنها زي ما إدت أمل كبير في التجاوز، كان انهيار الأمل من الضخامة بحيث إنه عمل ارتداد رهيب للمعكوس.
بس كمان الشوفينية المصرية نتاج حاجة مقصودة، نتاج دعاية فجة من السلطة والناس الواصلة، دعاية هدفها تمجيد نوع معين من المصالح ونوع معين من التوازنات.
بس في كل ده يتبقى السؤال: باقي إيه من الوطنية المصرية؟ باقي إنها يا إما هتفضل في حالة الانهيار المكتوم الحالية يا إما هتتغير تغير هائل.
التغير الهائل هييجي من حاجة بسيطة: إن الناس تكتشف عبر التجربة رؤية أخرى للوطنية، رؤية بتربط الوطنية بالواقع والمصلحة، بس كمان بالإنسانية.
يعني كله عايز يهج ويهرب من الجحيم المصري، بس مش الكل قادر يعمل ده، الكل عايز يتعالج بره، بس مش الكل قادر على ده، فيه طبقة مترفة قادرة تشتري أوطان تانية، وطبقة كادحة ملهاش إلا هنا.
لما تيجي معارك تغيير بتخلقها أحلام ثورية جديدة، ممكن نكتشف إن الوحيدين الصامدين في أرض المعركة، الوحيدين بجد، هما الكادحين، لأنهم ببساطة معندهمش وطن تاني يشتروه، وبالتالي فدول هما اللي هيكونوا وطنيين لأن هنا وبس هو المكان اللي بيساعهم على بشاعته.
الوطنية اللي تمت تنقيتها بالفرز ده هتكون أصلب وأصلب، ومختلفة خالص. مش هتكون طنين عن الريادة والعظمة وأم الدنيا وأد الدنيا، بل هتكون معركة حقيقية لتغيير أوضاع وعلاقات فاسدة، عشان معندناش حل تاني غير إننا نبقى أحسن وبشر حقيقيين..
مفيش حاجة حتمية، بس فيه حاجات حلوة ممكنة، ولو بعد حين.
تامر وجيه، مدون وكاتب صحفي وناشط سياسي يساري، يكتب بموقع فيس بوك في 6 أكتوبر عن واقعة سفر الفنانين أحمد حلمي ومنى زكي إلى أمريكا، ليحصل ابنهما الوليد على الجنسية الأمريكية، وعلى خلاف السائد لم يتحدث عن حالتهما تحديداً، بل انطلق منها لتعميم الظاهرة برغبة الأثرياء والفقراء في مغادرة البلد، ثم ينطلق لمناقشة مفهوم الوطنية المصرية الذي يراه مليئاً بالتناقضات بين خطابه وواقعه.
للإطلاع على النص الأصلي:
https://www.facebook.com/tamerwageeh68/posts/10204825769105556