رمى حجراً و أمعن ثم ولّى، و لم يترك دليلاً أو محلا، و عاذ بما تبقى من حياءِ، و شكّل يومه ثم استقلا، و قال: أموت ، لكن لست أحني على كتف الزمان الرأس ذلا. لأن الموت لوّن كل شيئٍ، و ألقى بين أعظمنا عروقهْ، لأن اللون في دمنا ضبابٌ، لأنا نحن أخطأنا طريقهْ، لأن العمر يأتي عند يومِ و يعلن بين أيدينا مروقهْ، أرد إلى العيون شعاع أمسي، و ألقي في حُميّاها بريقهْ، و من جسدي النحيل أشد جسراً لكل العابرين إلى الحقيقة. فيا وطني رأيتك في التقاء الرأس هلكٓى بالحوائط، رأيتك في عيون القطة الجوعى تغالط، رأيتك في اصفرار الماء في سلخ المشيمةْ، رأيتك في احمرار الأفق في وجه الحدود، رأيتك في انتشاري في السدود، رأيتك حين ينكشف الغطاء عن الصباح، و وجهك مستباح. رأيتك حين أخلع ياقتي خلف المشابك، و حين تحط في صدري مناقير السنابك، رأيتك في انتفاخ العِرق في كتف الأجير، و وجهك يستجير. رأيتك في انحباسي في المرايا، رأيتك في الزوايا، رأيتك في المناشف، رأيتك حين تزرع وردة خلف العواصف، و وجهك لا عواطف. رأيتك يا ضميري، رأيتك كالتذاذ الجرح في لمس المشارط. أسافر عنك، أصدر عن جميعك، و يلويني التباعدْ، فأذكر نظرة النهر، مؤنبةً، كأنك أنت يا وطني، رسمت عيونك السمرا، على ثغر الممر، و قلت: “لا أحدٌ يمر اليوم في قلبي”، و لا أحدٌ رآكا، و لا حتى على عينيك مرا. أظل أسير في عينيك أمسيةً، و أمسيةً أظل أعالج الأمرا. أريدك مستريحاً، في ضلوعي، أريدك .. قل لمن شئت السلامُ على عيونك يا بعيداً عن شكوكي، و يا زمناً تباعد ثم لامس. و ما كان اختيارك يا فتيّاً سوى غضبٍ أذاب عليك دينهْ: لأنْ تبقى على الذكرى عيوناً و لا تبقى نبياً في مدينةْ.
****
طيب الله أوقاتكم و أهلاً بكم إلى آخر حلقة من “آخر كلام”. كانت قناة “أون تي في” تحبو واعدةً عندما انطلقت أول حلقة من هذا البرنامج عام ألفين و تسعة في ذكرى عزيزةٍ على قلوبنا جميعاً، ذكرى حرب أكتوبر المجيدة. خمس سنواتٍ بالتمام و الكمال عشنا فيها آلام وطن كبير و آماله، حاولنا في خلالها جاهدين أن يكون ولاؤنا دائماً للحق و للحقيقة من منظورك أنت لا من منظور سلطةٍ و لا جاهٍ و لا مال. آمنا بأن طريقنا إلى احترام أذهانكم هو المعلومة المجردة و الرقابة على السلطة، أي سلطةٍ من أي نوع، بكل جرأةٍ و بكل احترام في آنٍ معاً. أخطأنا أحياناً؟ نعم، و جل من لا يخطئ، لكننا نحمد الله أن ثبّت على الحق خطانا حين كان لقولة الحق ثمن، و نحمده أن ألهمنا مرجعية الضمير و الوطن، و نحمده من بعد ذلك أن سخّر منا جسراً لمن اجتهد، و ملجأً لمن ظُلم، و منبراً لمن لم يكن لديه منبر. تقاسمنا معكم لحظاتٍ من أصعب اللحظات و من أجمل اللحظات في آنٍ معاً، و لا نمن على أحد بأننا تحمّلنا في لحظاتٍ ما لا طاقةَ لنا به. الآن يستريح هذا البرنامج بين أيديكم و بين أيدي قطعة غالية من تاريخ هذا الوطن و من مسيرة الإعلام في هذا الوطن. اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشكركم على وقتكم و على ثقتكم، و أن ألتمس العذر من كل من وجدنا في أي لحظة دون مستوى توقعاته. إرضاء الناس، كل الناس، غايةٌ من المستحيل، و احترامنا لكل عادلٍ محبٍّ لهذا الوطن مؤمنٍ بدولة القانون لا يمكن أن يتأثر باختلافٍ في الرأي و لا يمكن أن يتبدل. ثم اسمحوا لي أخيراً أن أخصص هذه الحلقة الأخيرة كي أقول شكراً من أعماق القلب لزملائي في العمل، من أكبرهم إلى أصغرهم، من الإدارة إلى الجانب التحريري إلى الجانب الفني إلى الجانب اللوجيستي، هؤلاء منهم الذين استمروا حتى آخر دقيقة و هؤلاء الذين تفرقت بهم السبل في مسيرة صحفية يفخرون بها و نفخر نحن بهم. سأقدم جانباً منهم على فقرات، في الفقرة الأخيرة من يمثلون قاطرة البرنامج، و قبل ذلك جانب من السابقين، و قبل ذلك جانب من وحدة التحقيقات الاستقصائية. أما في هذه الفقرة فإنني أقدم لكم عصب العمل الصحفي ممثلاً في فريق البحث و التقارير الميدانية: عن يميني زميلي خباب عبد المقصود، الذي أتانا أصلاً من وحدة التحقيقات الاستقصائية إلى العمل اليومي، و إلى جواره زميلي كريم فريد، الذي أتانا أصلاً من حيث لم نحتسب. و عن يساري معمل البحث و المعلومات و اللوحات الإيضاحية. كبيرهم زميلي محمود الواقع، و إلى جواره الواعدان اللذان تحملا ما لم يستطع كبارٌ أن يتحملوه: زميلي أحمد يحيى، و زميلي محمد صلاح.
****
أهلاً بكم مرة ثانية. يفخر هذا البرنامج بأنه أخذ زمام المبادرة فأنشأ وحدة مستقلة للتحقيقات الاستقصائية. منذ تكوينها قبل أكثر من عامين أنتجت هذه الوحدة نحو ثلاثين تحقيقاً استقصائياً مست تفاصيل الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في مصر، و حصل ثلاثةٌ منها على جوائز دولية. الأهم من ذلك أن تحولت إلى مفرخة غذت قطاعات العمل الصحفي الجاد في مصر و خارج حدود مصر. اسمحوا لي أن أرحب بجانب من زملائي نجوم وحدة التحقيقات الاستقصائية: عن يميني زميلي علي شعبان السطوحي، و إلى جواره زميلتي ميريت إبراهيم. و عن يساري زميلتي مروة عبد الله، و إلى جوارها زميلي باسل سمير، و أخيراً و ليس آخراً، جوكر الوحدة و البرنامج كله، زميلي غبريال حنا، المعروف اختصاراً باسم “غابي”.
****
نقّل فؤادك حيث شئت من الشقا، ما الحب إلا للفريق الأولِ. أهلاً بكم مرة أخرى، هذه المرة إلى جانب من ذكريات الأمس مع جانب من زملاء العمل في مراحل سابقة من تطور هذا البرنامج. لحظات الهناء و الشقاء و الأمل و الألم حين تتجسد شاخصة بعفارريتها كل يوم، ثم لا يبقى من بعد ذلك إلا ابتسامة و حب. اسمحوا لي أن أقدم لكم عن يميني زميلي أحمد رجب، مدير تحرير البرنامج سابقاً و مستشاره دائماً، و إلى جواره زميلي مصطفى المرصفاوي، دينامو هذا البرنامج سابقاً و لم تنقطع صلته به. و عن يساري زميلتي سمر الجمل التي استلمت الراية بعد ذلك في ظروفٍ صعبة، و إلى جوارها زميلي محمد حلمي، نائب رئيس تحرير البرنامج في مرحلة سابقة الذي أعتذر له مقدماً عن كل عفريت من العفاريت اليومية.
****
أهلاً بكم إلى القسم الأخير من الحلقة الأخيرة من “آخر كلام”. وصلنا معاً إذاً إلى قلب فريق الإنتاج في المرحلة الأخيرة الذي تحمل معي ما لا رأت عينٌ و لا خطر على قلب بشر. إن كانت السنوات الأربع الأخيرة تعادل في الواقع عشراً مما تعدون، فإن العام الماضي وحده يعادل عشراً في حد ذاته. اسمحوا لي أن أقدم لكم عن يميني زميلي سيد تركي مدير تحرير البرنامج، و إلى جواره زميلي محمد هواري مدير التحرير المشارك. و عن يساري زميلتي هايدي جبران، منتجة البرنامج، أقدم أعضاء الفريق و القاسم المشترك، و أخيراً و ليس آخراً زميلي أحمد سليمان الذي لم يسمعني قبل ذلك أقول إنه فاجأني بتطور غير عادي في مسيرة حاشدة على قصرها.
****
خمس سنواتٍ بالتمام و الكمال عشنا فيها آلام وطن كبير و آلامه، حاولنا في خلالها جاهدين أن يكون ولاؤنا دائماً للحق و للحقيقة من منظورك أنت لا من منظور سلطةٍ و لا جاهٍ و لا مال. آمنا بأن طريقنا إلى احترام أذهانكم هو المعلومة المجردة و الرقابة على السلطة، أي سلطةٍ من أي نوع، بكل جرأةٍ و بكل احترام في آنٍ معاً. أخطأنا أحياناً؟ نعم، و جل من لا يخطئ، لكننا نحمد الله أن ثبّت على الحق خطانا حين كان لقولة الحق ثمن، و نحمده أن ألهمنا مرجعية الضمير و الوطن، و نحمده من بعد ذلك أن سخّر منا جسراً لمن اجتهد، و ملجأً لمن ظُلم، و منبراً لمن لم يكن لديه منبر. تقاسمنا معكم لحظاتٍ من أصعب اللحظات و من أجمل اللحظات في آنٍ معاً، و لا نمن على أحد بأننا تحمّلنا في لحظاتٍ ما لا طاقةَ لنا به. الآن يستريح هذا البرنامج بين أيديكم و بين أيدي قطعة غالية من تاريخ هذا الوطن و من مسيرة الإعلام في هذا الوطن. اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أشكركم على وقتكم و على ثقتكم، و أن ألتمس العذر من كل من وجدنا في أي لحظة دون مستوى توقعاته. إرضاء الناس، كل الناس، غايةٌ من المستحيل، و احترامنا لكل عادلٍ محبٍّ لهذا الوطن مؤمنٍ بدولة القانون لا يمكن أن يتأثر باختلافٍ في الرأي و لا يمكن أن يتبدل.
الصحفي سيد تركي، مدير تحرير برنامج “آخر كلام” الذي يقدمه الإعلامي البارز يسري فودة، ينشر في 15 سبتمبر بموقع فيس بوك، نص آخر حلقة للبرنامج، والذي شكل عبر سنوات أحد أهم نوافذ صوت الثورة والمعارضة للنظام في الإعلام المصري.
للإطلاع على النص الأصلي:
https://www.facebook.com/torkayt/posts/10153198744219829?fref=nf