نهاية الهياكل وبداية العصافير

في البداية كانت البيضة

 

عاشت هذه البلاد فترة طويلة تحت مصطلح “شرعية يوليو”. هذا المصطلح الذي صاغه محمد حسنين هيكل يعتبر بمثابة البيضة التى فرخت لنا عشرات الديناصورات التى تغذت طوال سنين عدة على روح أهل هذه البلاد. والأمر الحقيقي أن شرعية يوليو لا تعنى فقط الاعتراف بحركة الضباط الأحرار كثورة تحرريه بل والقبول أيضاً بأن المؤسسة العسكرية هى القلب الصلب للدولة المصرية، وليست جناح من أجنحة الدولة التى تقوم أساسا على التراضي والقبول بين سكان هذه البلاد مع احترام وتقديس حقوق هؤلاء الأفراد.

البيضة لم تفرخ فقط ديناصورات كبيرة مثل الرئيس مبارك أو اللواء عبد السلام المحجوب أو الرائد المتقاعد صفوت الشريف. بل أيضاً كان هناك أفراخ صغيرة تسبح وتهلل وتقبل بمنتهى اليسر والسهولة أن تتغاضي عن حقوق أفراد هذا الشعب مهما كانت في سبيل بقاء الدولة “ذات القلب الصلب” واستمرارها إلي ما لا نهاية. بغض النظر عما تحققه لمواطنيها.

في المقابل فهؤلاء الأفراخ الصغيرة عاشوا طوال العقود الماضية كرموز إعلامية، وخبراء في مجال الإدارة السياسية. تفتح لهم الميكروفونات وتسلط الكاميرات. يتحدثون بألف لسان ولا يقولون شيء. هم الفئة المستنيرة رموز الإنارة. الملاك الحصريين للمعرفة يعرفون ما تحت الحجر وما فوقه. يمكن للواحد فيهم أن يتحدث عن كل شيء وأى شيء بداية من تجديد الخطاب الدينى وحتى مستقبل المشروع النووى المصري.

 

ثم نهضت الديناصورات من تحت الأرض

 

قطاع كبير من هؤلاء الأفراخ الصغيرة حارب ودافع بدمه عن الدولة والإنارة والاستنارة. نذكر معاركهم في الثمانيات والتسعينات ضد طيور الظلام، حروبهم الكونية التى خاضوها ضد الفكر المتطرف. كانت هذه معركة من أهم المعارك التى خاضها الكتاكيت المعروفون أيضاً بالنخبة أو المثقفين أو رموز الثقافة والفن. وكانت معركتهم ضد الإرهاب نقطة مضيئة في سجل التاريخ كما عبر عن ذلك الضابط الشاب خريج كلية الشرطة في الحفل الذي حضره المشير طنطاوى حينما قال في قصيدته المشهور على الانترنت بعنوان “اديها”

فين أنت من إرهاب التسعينات… انتظرنا يا بلطجى.

لكن في العقد الأخير من حكم القائد السابق للقوات المسلحة محمد حسنى مبارك. شعر هؤلاء الكتاكيت باليتم. فمبارك، استبدلهم بحفنة من رجال الأعمال وتركهم في العراء وحيدين بلا صدر حنين.

ورغم أن بعضهم كان قد غاب في الظلام تحت الأرض وتحلل حتى تحول لهيكل عظمى، والبعض الآخر قد دخل الثلاجة منذ زمن. لكن ثورة 25 يناير فعلاً صنعت المستحيل، فهاهم نشاهدهم يظهرون من تحت الأنقاض مرة ثانية، هياكل ديناصورات ضخمة، لا تهمس ولا توجه حديثها إلا للسلطة –كما تعودنا منهم- وتدفع بقوة لتكرار نفس الأخطاء والعودة إلى نموذج الدولة ذات القلب العسكري الصلب لا القلب المدنى النابض والحيوى.

 

من أنتم؟

يمكن تمييز الديناصورات التى فقست في الماضى من البيضة وعادت الآن ديناصورات تحاول الاقتراب من أذن السلطة بسهوله ووضوح هذه الأيام.

فبينما تتزايد الدعوات للعودة للميدان، ويرتفع عدد المعلنين عن اعتزامهم المشاركة في الثورة الثانية “27 مايو”. اعتراضاً على تجاوزات المجلس العسكري، وللمطالبة بتعجيل ظهور الدولة المدنية المصرية الحديثة نجد في الطرف الآخر الديناصورات مفزوعة تطالب باستمرار بقاء المجلس العسكري، بل ومستعدة لمبايعة المشير طنطاوى رئيسياً للجمهورية كل هذا بسبب أنهم مفزوعون من طيور الظلام. والحقيقة أنهم مفزوعون من أن تأتى سلطة لا تحتضنهم وتمنحهم نفس المكانة التى فيها.

بينما يطالب النشطاء الشباب وأهالى أكثر من عشر آلاف معتقل بإلغاء المحكمات العسكرية، يطالب ضياء رشوان بتطبيق الأحكام العرفية.

بينما يطالب النشطاء الشباب بمحاكمة رموز النظام السابق لا على جرائهم الاقتصادية وسرقاتهم، يعرض نائب رئيس الوزراء يحيي الجمل التصالح ونسيان الماضي.

بينما يصدر القضاء المصري حكماً بحل الحزب الوطنى وتنطلق في كل محافظات دعوات التطهير من هذا الحزب، يتم دعوة أكثر من 300 شخص من رموز الحزب في المصطبة/ الحوار الوطنى الذي ينظمه مجلس الوزراء.

بينما يطالب النشطاء الشباب وأهل ميدان التحرير بالتسريع بمغادرة المجلس العسكري للسلطة، يطالب محمد حسنين هيكل باستمرار العسكر ومبايعة طنطاوى رئيسياً.

وهنا لا يجد الواحد تعليقاً سوى جملة العقيد القذافي الشهيرة: من أنتم؟

 

اللاءات الثلاثة

الأخبار السيئة: لا أمل في اختفاء هؤلاء الديناصورات للآسف. لا أمل أن يعيدوا النظر في أفكارهم وعقائدهم السياسية. ولا أمل أن يثقوا أكثر في هذا الشعب الذي ينتسبون له ويتحدثون باسمه. والمزيد من الأخبار السيئة: الطريق لا يزال طويلا. انتهاكات حقوق الأفراد لن تتوقف. انتهاك الحريات العامة والتعدى على حرية الرأى والتعبير سوف يستمر سواء مع المجلس العسكري أو مع أى حكومة قادمة إخوانية كانت أو حلزونية. وبالنسبة لهؤلاء المنحازون للحرية والطامحين في حياة إنسانية كريمة سواء كانوا عصافير على موقع تويتر، أو مظاهرات في الميدان فالمشوار لا يزال في بدايته والمهم الحفاظ على اللاءات الثلاثة “بلا يأس، بلا أمل، بلا هدف”.

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *