.. فلنأخذ عماد الدين اديب ببعض التأمل
طرح عماد الدين اديب في مقال له سؤال ماذا نقدم للسيسى كى ينجح في مهمته كرئيس للبلاد .. مشكلة الاصدقاء الذين تعاطوا مع هذا المقال بالسخرية والإزدراء – الذى يستحقه بالطبع – أنهم يتصورون أن أديب يوجه كلامه لكل الناس ولعموم المصريين، والحقيقة أن أديب يوجه خطابه الى جماعته المبعثرة من الذين يسمون أنفسهم “إصلاحيي أواخر زمن مبارك”، والمعروفين أكثر بجماعة جمال مبارك الواسعة .
راهن هؤلاء فى وقت ما بمنتهى الصلف والغرور والتفاهة على جمال مبارك، وتخيلوا أنهم قادرين على تجاوز المؤسسة العسكرية، وتصوراتها عن الحكم وموزاين القوى داخله .. وتصوروا أن سيطرة مبارك على الجيش لعقود كافيه لتمرير مشروع التوريث بدون معوقات كبيرة، وراهنوا ايضا ان قبضه عنيفة لوزارة الداخلية، ومباحث امن الدولة تحديدا، على المجال السياسى الضعيف جدا، وعقد تحالف امنى معها قائم على تقسيم عمل محدد سيضمن نجاح العملية .
تغافل هؤلاء وقتها بحكم عماهم الاصيل أن مشكلة وازمة مشروع جمال مبارك ليس فقط المشروع في حد ذاته بل شخص جمال مبارك نفسه .. فهذا المشروع الى جانب انحيازاته الاجتماعية المستفزة، وخطابه الإعلامى الاكثر استفزازا للعامة، وإلى جانب اعتماده سياسات ليبرالية جديدة بادوات شديدة الفساد ومنعدمة الشفافية فهو يصطدم بواحد من اهم مقدسات الدولة المصرية الاستبدادية فى مصر ما قبل الثورة، وهو مبدأ ” الأقدمية “. وان الاتيان بجمال مبارك حتى ولو مجيئه سيفجر الارض عسلا ولبنا هو تجاوز لتراث بيروقراطى مصرى أصيل، قائم على أن الجدارة بالمناصب هى هدية الخدمة الطويلة في أروقة ودهاليز الدولة، يحتمل فيها الانسان كل صنوف الاهانة ويمارس فيها كل اشكال النفاق والممالأه الى جانب جهده المادى الحقيقى “حسنى مبارك نفسه نموذجا”.
بالتالى نظرت البيروقراطية المصرية وفى القلب منها المؤسسة العسكرية الى جمال مبارك كعنوان للإنقلاب على تقاليدها بدون جدارة أو استحقاق، ووسمت خطابها بمسحة ناصرية في مواجهته ولمعت بقصد او بدون قصد شخص عمر سليمان ربما رغما عن أنفه .
كل هذا لم تدركه جماعة جمال مبارك في حينه، لأن غرورهم وتعاليهم على المجتمع الى حد الكراهية العدمية له من موقع وحس طبقى بغيض، أعماهم عن المآل الكارثى الذين مضوا فيه وكانت يناير 2011 .. ولكن ماذا تعلم هولاء من يناير 2011 ؟
قراءة هؤلاء للمشهد ان الجيش لا يرغب في الحكم بشكل مباشر والدليل استعداده لتسليم السلطة المدنية للإخوان المسلمين .. وان الجيش لا يريد الحكم بل يريد التحكم ” وهذا صحيح ” بمعنى ان الجيش سيتحكم في القرار النهائى عبر حزمة من حقوق النقض ” الفيتو ” في مسائل معينة وعلى شرط ان يثبت الحكم المدنى قدرته على ادارة الوضع والأزمة .
بناءا على هذا الفهم بدأ يتطور مفهوم الليبراليين العسكريين عن الواقع، وهو الاتيان برمز عسكرى يكون بمثابة جسر مع القوات المسلحة، يعملون هم تحت جناحة، ولا يستطيع هو العمل بدون شبكاتهم وتمويلهم، فكان الرهان على احمد شفيق وليس عمرو موسى.
ومع فشل الرهان ومع الوقت والاحساس باليأس النابع من عبث الاخوان، ومحاولتهم المعتوهة السيطرة على كل وكافة شيئ، وبإستعداد فاشى للمواجهة مع الجميع، طور هولاء خطابا اكثر التصاقا بالجيش كمؤسسة بإعتبار أن الصراع صار صراع قوة محضة لا قبل لهم به، وأصبح الخطاب الاكثر فاعلية من بعد الاعلان الدستورى المخبول العام الماضى هو الدعوة الصريحة للجيش للتدخل والحكم .
ومع احتدام المواجهة ووصولنا للحظة الحالية، يحاول عماد الدين اديب اعادة الكرة مرة أخرى مع السيسى .. الاتيان برمز عسكرى محبوب على راس السلطة كى يعملون هم من بين اصابعه، ويعود الجيش نظريا وظاهريا الى ثكناته، ويتحملون هم مشقة دعم الرئيس.. ويا للبؤس!
ما يريده أديب هو عين المستحيل لعدة إعتبارات.
أولها : أن الجيش كمؤسسة يريد اخذ مسافة عن شخص الرئيس ايا كان شخصه كى يستطيع الانقلاب عليه مرة اخرى حال فشله واعتقد ان هذا هو العقيدة الجديدة للجيش ما بعد يناير 2011 حيث هناك ازمة مستمرة سيتدخل الجيش دائما لوضع حل لها حال تفاقمها وذلك بتبديل تحالفاته مع قوى كلها سلطوية وكلها مستعدة لشراكة معه .
ثانيها: ان تصور جماعة جمال مبارك عن المستقبل ما زال اسير خطاب الليبرالية الجديدة برغم كل ماحدث وبكل ما يحمله ذلك من عمى بصيرة استثنائى وعدم ادراك لمستوى الاحتقان الاجتماعى الرهيب في مصر ولدرجة ان بعض اقلامهم الاكثر نزقا وتطرفا وتفاهة تصف السلطة الحالية بإنها سلطة اشتراكية !!
ثالثا: أنهم يتخيلون امكانية الحكم بهذه الصيغة بدون ظهير سياسى فجمال مبارك كان مشروعه منطقى بالرغم من فشله وهو تحويل الحزب الوطنى من شبكات مصالح محلية رثة الى حزب سياسى يستخدم تلك الشبكات بتحالف مع الدولة الامنية ..الاشكال ان جمال مبارك فشل في ذلك وهو معه كل السلطة المدنية تقريبا الا قليلا فكيف يتخيل اديب واولاده تكرار ذلك مع جنرال سيحكم عمليا والسيف على رقبته بالفعل.
مشكلتنا مع هولاء أن معهم اموال كثيرة، ونافذين على دول الخليج ذات الاموال السائلة المتدفقة، ولن يتوقفوا عن ازعاجنا، وستستخدمهم الدولة الامنية حتى الثمالة كبوق في مواجهة الجميع، طالما لديهم ذلك الاستعداد البغيض لخدمتها، حتى تأتى لحظة ينهار فيها الأمر مرة اخرى ويولون الأدبار، وتتصدر الفنانة عفاف شعيب المشهد بالنيابة عنهم مرة أخرى، وتقول مقولتها الشهيرة ” احنا منهارين “
كتب محمد نعيم، المدون وعضو المكتب السياسي بالحزب المصري الديموقراطي، هذه التدوينة على صفحته بموقع فيس بوك في 22 ديسمبر تعليقاً على مقال لعماد اديب يدعو فيه لدعم السيسي إذا تولى رئاسة الجمهورية. يشرح نعيم لماذا يرى أن مشروع إعادة إحياء الدولة القديمة محكوم عليه بالفشل، حتى لو تغيرت الأسماء.
للإطلاع على النص الكامل وتعليقات القراء:
https://www.facebook.com/mohamed.naeem.14811/posts/10153625815345481