الهَوَس كمادة أولية للعيش

تقريبا لم اتحدث مع أي اجنبي عاش اكثر من اسبوع في مصر في السنين الأخيرة الا وقد ذكر انه تعرض للتحرش من المارة او سائقي التاكسي او حتى البقاليين بإعتباره جاسوس محتمل , منذ الرابعة عشر 22تقريباً اذكر جيدا تحذيرات امي العديدة عن “التوسع” في حديثي مع الأجانب !!  كـ “زينة ” الفرنسية صديقتي بالمراسلة  التي بدأت مراسلتها بالخطابات في اولى ثانوي, او محاولات الشات والحديث مع أصدقاء افتراضيين على برنامج  أي سي كيو في اخر اعوام القرن الفائت … لم أعرف تحديدا ما الذي كانت امي تخاف ان يقوله شاب صغير محترف في العاب الفيديو جيم وركوب العجل لأصدقاء على الجانب الأخر كل ما يعيبهم انهم اجانب ! ما لا يعلمه العديد من الأجيال الصاعده الأن ان الكثير من أبناء جيلنا منذ 15 عاما تقريبا خاضوا معارك لاثبات انهم لايتحدثون مع جواسيس عندما يستخدمون الانترنت

هل تعلم/ي انه خلال عرض الـ 14 حلقة من مسلسل “دموع في عيون وقحة”   في الثمانينات كانت الشوارع تبدو خالية من المارة ؟
دموع في عيون وقحة هي قصة تجنيد المخابرات الإسرائيلية للمصري جمعة الشوان وابلاغه المخابرات المصرية الي اخر القصة , وهي قصة رائعة تستحق المشاهدة , في بدايات ومنتصف الثمانينات كان الغالبية العظمى من المصريين في حاجه للشعور بانهم  لا يزالوا أعداء للكيان الصهيوني  بعد معاهدة السلام وانقطاعهم عن محيطهم العربي ! لا اعلم لكنني أسأل نفسي سؤال متكرر هل اثرت مسلسلات الجاسوسية على عقول المصريين لدرجة انهم اصبحوا خبراء في إتهام الجميع بالجاسوسية!

ربما يعتقد البعض ان تلك الحالة من سوء النية تجاه أي اجنبي جاءت نتيجة التحذيرات التى اطلقتها الأجهزة الأمنيه عقب البدء في اعتصام الـ 18 يوم في يناير 2011 على إعتبار ان المخططين والمشاركين اجانب وان المصري اللي على حق ما يقولش للدولة لا

أثناء اعتصام ال 18 يوم في يناير 2011 ظهر عمرو مصطفى علي شاشة احد قنوات ماسبيرو صارخا يطلب من مواطنين مصر الشرفاء القبض على اي اجانب وتسلميهم للجيش او الشرطة العسكرية , ولم يكن عمرو مصطفى هو الشخص الوحيد الذي ظهر يكالب بالقبض على الأجانب ! ربما كان اكثرهم حماساً وحقيقة الأمر لأ أملك اي ارقام عن من تم القبض عليهم , لكنني اذكر الشهادات المروعه من اجانب تم القبض عليهم سواء اوربيين او افارقة  كان يتم صرفهم من وحدات الجيش او الشرطة العسكرية بعد قليل من القبض عليهم والزفة البلدي التي يحصلون عليها , اذكر انني قابلت مراسل لأحد الجرائد النيويركية اخبرني انه تم القبض عليه في احد الايام ثلاث مرات عندما ظل باقيا بالخارج بعد موعد الحظر

قرر أحد العباقرة في جهاز امني ما إطلاق سلسة من الإعلانات التوعوية  التى تحدد شكل الجاسوس المحتمل , اجنبي , يحمل موبايل , ينتشر اوساط الشباب في القهاوي التي تحمل شعارات ” عيش , حرية , عدالة إجتماعية”  … الشباب المصري انتقد الإعلان وفكاهيته لكن الإعلان لم يكن موجه في الأصل للشباب , كان موجه للأجيال القابعة خلف التلفاز تنتظر المخلفات لتحتفظ  بها داخل عقلها دون التفكير …. تأثير إعلانات الجاسوس فاقت الحدود وجاءت بنتائج سريعة شعر بها الأجانب العاملين في مصر , كانت احد اشهر النتائج عندما القى أهالي شبرا القبض على “سفير سلوفينيا” عندما ترجل من سيارته في الشارع !

إذا كنت اجنبي تتحدث العربية او تحاول تعلمها فأن ذلك يجعل منك  جاسوس او على اقل تقدير انت لا تحمل الخير لمصر , لم أجد تفسيراً لتلك الظاهرة افضل من ما قاله المدون أحمد غربية : “من علامات احتقار الناس لنفسهم أن تفسيرهم الوحيد لتعلّم الأجانب لغتهم هو أنهم جواسيس.” اما اننا نحتقر انفسنا أو نحتقر لغتنا ! في اشد بلاد العالم عنصرية عندما يجدونك تتحدث لغتهم او تحاول تعلمها يكسر ذلك الكثير من الحواجز لكن في مصر ذلك يجعل منك جاسوس محتمل

الزينوفوبيا مرض اجتماعي يعرف عالميا بمرض الخوف من الأجانب، وهو مرض تصاب به بعض الشعوب أو  سكان بعض الدول والمدن “المنعزلة” عادة.

السؤال الأهم : هل ندرك اننا نعيش في بلد كان سياحياً يوما ما؟

نشر المدون أحمد حجاب هذه التدوينة على مدونته في 9 يناير متحدثاً عن ظاهرة الشك في الأجانب بمصر، تحت تأثير الحملات الإعلامية المكثفة التي تروج نظرية المؤامرة الخارجية على البلاد.

للإطلاع على النص الأصلي:

http://ahmadhegab.blogspot.com/2014/01/blog-post_10.html

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *