لسه لما باتصل برقم بابا باتوقع إن أم زينب ترد عليا وتدي أبويا التليفون.
لسه لما أحتار في حاجة بأقول في مخي: أبقى اسأل بابا .. وبعدين أفتكر إني مش حاقدر أسأله..
لسه لما أقابل حاجة تضحك أبقى عايزة أحكيها لبابا، في جزء من الثانية مخي يقولي: ابقي قولي لبابا، وبعدين يرجع يفتكر إني مش حاقدر أقولها لبابا.
لسه يا بابا .. لسه في كلام كتير ما قولتوش، حكاوي كتير ما حكيتهاش، اسئلة كتيرة ما سألتهاش، ضحك كتير كنت شايلاه عشان اضحكه معاك، اغاني كتير كنت عايزة اغنيها معاك .. لسه في حيرة كتير عايزاك تفصل لي فيها .. لسه في نبوءات كتير عايزاك تتوقعها لي .. ولسه لما حد يقول اسم أبويا ويتبع الاسم بعبارة: الله يرحمه، ابقى مش فاهمة هو بيتكلم عن ايه؟ لسه يا بابا … خليت بيا وانا لسه مش عارفة اتعامل مع الفكرة.
الأب ما يتعوضش .. والاستاذ ما يتعوضش .. والصاحب ما يتعوضش .. والمثل الاعلى ما يتعوضش.
ولما يبقى الاب هو الاستاذ، والصاحب، والمثل الاعلى حاستعوض ربنا في ايه ولا ايه؟ العوض على الله عموما، بس اللي أنا عارفاه كويس اني ما بقتش زي الاول، ومش عارفة حاقدر ارجع زي الاول ولا لا؟ بس هو فيه فجوه حصلت في قلبي كده أو حفرة، مش عارفة حتتردم ازاي؟
الناس ممكن تستغرب إن أبويا عمره 84 سنة ومع ذلك ما توقعتش انه يموت .. الحقيقة إني ما توقعتش خالص، عمر ما عرفت أعمل رابط بين أبويا والموت، ولحد دلوقت مش عارفة أعمل الرابط ده، حاسة كأنه مسافر مثلا، طفشان في حتة من الحتت اللي كان بيهج فيها وحيرجع تاني.
احساس الفقد الفادح ده مغير كتير من نظرتي للحياة والامور على الاقل دلوقت، ما اعرفش بعد كده حابقى عاملة ازاي؟ بس عندي احساس كده ان كله محصل بعضه، وعندي احساس كمان اني اتعمل فيا مغرز وان الدنيا مالهاش امان وممكن تعمل فيا مغرز تاني، والغريبة اني مش عارفة ايه الاحتياطات اللي الواحد ممكن يتخذها عشان يتجنب مغارز الدنيا اللي شبه كده، ثم أنا مش متعودة اني اقابل موقف ما يبقاش له حل، ودايما بافكر في حل، أو تصرف، يا تحل المشكلة، يا تخلينا نتجنب اسوأ نتائجها.
اللي اكتشفته بقى بعد تجربة الفقد دي إن مافيش حل لاي حاجة، وان مافيش منطق في اي حاجة، وان غالبا إحنا لا بنحل ولا بنربط، والمرواح والمجي اللي إحنا بنعمله ده مجرد دوشة عشان نوهم نفسنا اننا عملنا حاجة، والحقيقة ان ربنا هو اللي عامل كل حاجة بنسبة 100%، وكل اللي إحنا بنقول عليه حلول أو تصرفات مجرد غرفشة كده عشان نعمل حس لبعض، يعني مثلا، أبويا جات له جلطة من حوالي 12 سنة، والمفروض انه كان يموت، ليه بقى؟ لان أبويا لما جات له الجلطة، جاله الدكتور عشان يلحقه، فابويا ولع سيجارة، ونقلوه العناية المركزة، وابويا كان بيدخن في العناية المركزة، جواها يعني، ولما ام زينب حاولت تمنعه، قال لها: انت مالك؟ قالت له: أنا مراتك ولازم أحافظ على صحتك .. قالها: لا إنت مش مراتي .. انت طالق اساسا! وراح مولع سيجارة تانية، مارلبورو احمر، علبتين تلاتة في اليوم جوه العناية المركزة، لا أنا ولا مراته ولا الدكاترة ولا الممرضات عرفوا يمنعوه .. أم زينب قالت للدكتور ده رمى عليا يمين يا دكتور .. قال لها انت شايفة ان ده يجوز له اي حاجة من اللي بتجوز على الناس العادية؟ ده بيولع سجاير في العناية المركزة
الأول دخل مستشفى صديقه محمود عبد الظاهر، وكان بيجيب صحابه ويسهروا في المستشفى، ويدخن عادي، بعدين نقلناه المعادي، وبعدين السلام، بعدين مستشفى تانية في شارع سوريا، أنا مش فاكرة الترتيب بتاع المستشفيات، بس إحنا دخلناه العناية المركزة بتاعة كل المستشفيات، يخش مغمى عليه، يدوبوا له الجلطة، أول ما يفوق يولع سجاير ويجيب صحابه يسهرو في الرعاية.
الطبيعي ان واحد بيعمل التصرفات دي يموت .. امال يعيش ازاي يعني؟ واحد بيلف سجاير في العناية المركزة وهم معلقين له المحاليل اللي بتدوب الجلطة، لا وجايب صحابه وحرافيشه وقالبين الرعاية مجلس قيادة السطوح .. يعيش ازاي بقى؟
بس هو عاش .. الغريب انهم لما عملوا له اشعة مقطعية على المخ قالوا له ده انت كان عندك اثر جلطة قبل كده .. فام زينب افتكرت انه من كام سنة قبلها جات له حالة شبه الحالة اللي جات له وقت الجلطة، بمعنى بقه اتعوج واغمى عليه وايديه ورجليه اتيبسوا، وام زينب قعدت تفوق فيه، وبعدين فاق وبقى كويس من غير دكتور ولا مستشفى
وغير الجلطة اللي خف فيها ذاتيا دي، وغير الجلطة المشار اليها، جات له بعد كده جلطتين، يعني اربع جلطات، ولا مرة فيهم بطل تدخين وشاي وقهوة وسهر .. وعاش عادي، ماماتش.
أبويا بقى قبل ما يموت بسنتين كان مبطل التدخين خالص، وكان بينام بدري، وقبلها بخمس أيام كان عامل فحص كامل والدكتور قال له: ايه يا عم احمد ده؟ دي تقارير طبية بتاعة شاب عنده عشرين سنة .. ده انت أصبى مني.
بس مات …
مات بطريقة غريبة قوي، صحى أم زينب وعمل لها كوفي ميكس، وقال لها أنا حاروح اجيب بانادول عشان الخنفرة اللي بتجيله كل لما يسافر مع تغيير الجو .. أم زينب سمعت صوت هبدة، راحت له لقته واقع مكان ما كان واقف وجنبه البانادول، بتقلبه على ضهره لقته بياخد نفسه بصعوبة قامت تجيب له مية ورجعت لقته رافع صباعه وبيتشاهد .. وخلاص ..
كده بمنتهى البساطة.. واحد قضى حياته كلها في قلب الخطر، كان المفروض يموت وهو بينضرب في السجن، أو وهو واقف في مظاهرة قصاد الامن، أو وهو هربان من القبض عليه، أو يموت من الجوع اللي ما كانش بيفارقه، أو يموت من الجلطات، أو من اهماله في صحته، أو من حياته اللي مش مستقرة .. تجاوز ده كله وعاش .. ومات بعد ما الدكتور قال له صحتك زي شاب عنده عشرين سنة.
حتتعب نفسك وتسأل طب ليه؟ مافيش اجابة غير: ربنا بقى
حاجة كده زي الحاجات اللي بتحصل في الدنيا ومالهاش اجابة غير ربنا، زي مثلا ان اتنين متجوزين تحاليلهم الاتنين زي الفل ومع ذلك ما يخلفوش، بينما ناس تانية تمنع الحمل وتخلف، أو تقاريرها الطبية تقول انها محتاجة علاج وتخلف .. ازاي؟ ربنا بقى
ويبدو ان اجابة “ربنا بقى” هي الاجابة الوحيدة الصحيحة على كل حاجة، حتى الحاجات اللي إحنا شايفين لها اسباب مباشرة، زي مثلا ان الثورة فشلت بسبب الإخوان .. دي الاجابة المباشرة، بس الحقيقة هو ربنا بقى.
ربنا اللي بيعمل كل حاجة .. وده في حد ذاته الشئ المريح الوحيد في حياتي دلوقت
أنا ما حضرتش حفل تأبين أبويا، ومش السبب اني لسه والدة، السبب ان أبويا نفسه مات .. حاعمل ايه بحفل التأبين؟
أنا اتحرمت من الحضن ده.
ومافيش حاجة حتعوضني عنه.
***
حضراتكوا عارفين أن أنا نَفَسة وكده، ومن ثم فمتابعتي للاشياء اللي بتحصل في الحياة مش على مستوى الاحداث .. وعموما أحسن، عشان كل ما اعرف حاجة بالمصادفة أو اسمع طراطيش كلام ألاقي أخبار تغم، وتقرف الكلب الاعور الحزين، والزعل وحش على اللي زيي .. وحرام عليا الانسانة المسكينة دي اللي ربنا ابتلاها بيا، كفاية من ساعة ما خلفتها دايرة بيها على المستشفيات والدكاترة والحضّانات، والحمد لله على كل حال.
وانا كل ما الاقي نفسي متضايقة اقول ربنا اللي عمل كده فارتاح.
وانا مش باحاول اريح نفسي ولا حاجة، هو ربنا فعلا اللي عمل كده، اهو ما أنا لخصت لكوا حياة أبويا اهو، ما ماتش وقت ما كان منطقي يموت، ومات وقت ما كان مش منطقي يموت.
من الحاجات المؤلمة جدا اللي حصلت وعرفتها برضه طراطيش كلام لاني ما كنتش في حالة تسمح لي اعرف، إن باسم محسن مات.
مات تاني يوم ما ولدت، وما حدش قال لي .. عرفت بعد كده، ومن غير تفاصيل، باسم بقى ده عبارة عن ملخص للثورة المصرية، باسم داخلية مبارك اصابته في 28 يناير 2011، طنطاوي طير له عينه في محمد محمود، مرسي حاكمه عسكريا وسحلوه في جمعة كشف الحساب وعذبوه، واخيرا السيسي قتله وريحه من الشقا المتواصل ده.
وعرفت إن الإخوان اتصنفوا جماعة ارهابية، وعموما إحنا حندفع تمن القرار الاحمق ده، زي ما دفعنا وبندفع تمن فض اعتصام رابعة بالقوة.
أنا مش عايزاكوا تقلقوا من حاجة .. إحنا لابسين لابسين، كلنا، يعني اللي بيقرن وبيوسخ وبيطبل عشان فاكر انه بينجي نفسه مش حينجو من حاجة، حيلبس معانا .. طرفين في منتهى الشر والغباوة بيتصارعوا، واحنا في النص زي سرحان عبد البصير، والحقيقة اللي أنا شايفاه إن الطرفين المتصارعين قرروا يولعوا في نفسهم وياخدوا بعض بالحضن ويدفسونا معاهم .. فكلنا مولعين بجاز وسخ، ومافيش اي جندلة ولا وساخة حتنجي حد من حاجة .. وعلى رأي امي: اللي يروح في داهية ما يتوهش، ومش عايزاك تقلق، انت تقلق لو رايح في داهية لوحدك، انما مدام كلنا رايحين فيها يبقى فيه ونس ان شاء الله، مش حتبقى لوحدك
هو إيه سبب إنهم صنفوا أي حد يتقال عليه اخوان انه ارهابي غير انهم مش عارفين يسيطروا؟ الإخوان جماعة ارهابية .. طيب، حتعرفهم منين الإخوان دول؟ ما عندهمش قوائم عضوية، وما عندهمش كارنيهات، انت ناسي دي جماعة محظورة؟ ثم ان دول لما كانوا في الحكم كانوا بيبقوا اخوان ويقولوا أنا مش اخوان على فكرة، يبقى حتعرف منين الإخوان جي؟ هو القاسم المشترك اللي بين الإخوان كلهم انهم لزجين ودمهم تقيل، بس دي خاصية لا ينفرد بيها الإخوان بس .. يعني لو قررت تعتمد الصفتين دول عشان تحدد الإخوان، يبقى حتقبض على عبد الرحيم علي ومصطفى بكري بتهمة انهم اخوان.
عرفت كمان إن أحمد ماهر ومحمد عادل واحمد دومة انطسوا تلات سنين، وناس بتقول عليهم احسن يستاهلوا عشان محمد عادل واد رخم واهبل، وفي ناس بتستشهد بكلامي لما اتخانقت معاه وقلت له انت اخوانجي .. طيب يعني هم ناويين يحبسوا كل اللي أنا باتخانق معاهم مثلا؟ أنا موافقة على فكرة، لو معيار الحبس أي حد نوارة تتخانق معاه، يبقى قشطة .. بس الحقيقة أنا مش فاهمة هم التلاتة اللي عكس بعض دول انطسوا تلات سنين ليه؟ والاهم هي الناس شمتانة فيهم ليه؟
بالنسبة للاخوان هم قاعدين يشمتوا على روحهم عادي، بس الطرف التاني اللي أنا مش عارفة اطلق عليهم اسم ايه بالتحديد، ما ينفعش اقول عليهم فلول بس لان مش كلهم فلول، وما ينفعش اقول سيساوية بس لان مش كلهم سيساوية، هم ينفع يتقال عليهم الوجه الآخر لعملة الإخوان ، ومع عدائهم المريع للاخوان، بس هم فولة واتقسمت نصين من الإخوان الحقيقة، دول حتى هم الاتنين شمتوا ان علاء عبد الفتاح اتقبض عليه، والاتنين قالوا ان ربنا انتقم من علاء عشان شتم الشعراوي! والطرفين بيحبوا الشعراوي ومسميين نفسهم الثائر الحق، ممكن يكونوا بيشمتوا من نفس المنطلق اللي خلا ام علي الزيات تبلغ عنه ..
وأنا الحقيقة ما اقدرش أهاجم الطرفين فقط وأتجاهل بقية الاطراف بما فيهم ناس أنا محسوبة عليهم أو هم محسوبين عليا، عشان فيه حالة وساخة عامة يعني اللي بيأخون بيأخون بوساخة، اللي بيفل بيفل بوساخة، اللي بيثور بيثور بوساخة، حتى اللي عامل عنده ضمير بيضمّر بوساخة برضه ..
أنا مش لاقية طرف مش متعاص كاكا .. حتى اللي عاملين ثوار واصحاب مبادئ .. طبعا مش لانهم عملا وجواسيس، بس لانهم متلخبطين، والواحد لما يتلخبط يعتزل .. زي ما أنا قررت اعتزل كده، لان فعلا المشهد مربك.
وقد تكون دي آخر نبوءة لابويا، اصل أبويا كل اللي حصل قبل كده هو تنبأ به، وقد يكون موته في حد ذاته نبوءة للي جاي .. خلع، أبويا خلع.
كتبت المدونة نوارة نجم هذه التدوينة على مدونتها “جبهة التهييس الشعبية ” في 15 يناير لتتحدث عن مشاعرها بعد وفاة أبيها الشاعرالكبير أحمد فؤاد نجم، بالإضافة لتعليقاتها علي مجريات الأحداث التي تتابعها متأخرة بسبب إرهاق ما بعد الولادة، وأيضاً لأنها قررت الإبتعاد. التدوينة طويلة للغاية لذلك تم اختصار الجزء السياسي بعيداً عن وفاة نجم.
للإطلاع على النص الأصلي:
http://tahyyes.blogspot.com/2014/01/blog-post.html