تجميع عمرو عبدالرحمن

wasla16-7مرة تانية عشان ماننساش… فى شهر واحد القضاء المصرى أصدر حكم بإعدام 529 مواطن من الإسلاميين أو مناصريهم بشكل عام… وبعدين نفس القضاء أيد حكم سابق بسجن 3 نشطاء سياسيين ملهومش علاقة بالإسلاميين لمدة 3 سنين… وامبارح، فى الزحمة كده، نفس القضاء حكم بالسجن 8 سنوات على أربع مثليين بعد القبض عليهم من شقة أحدهم الخاصة، مش فى مكان عام ولا حاجة… ده غير إن فى 36 مواطن مصرى بيقضوا أحكام متفاوتة بعد اتهامهم بتهمة غريبة جداً اسمها “ازدراء الأديان”، وده نتيجة لتعبيرهم عن آراء شديدة التنوع من أول إعلان تشيعهم مثلاً حتى طرح أفكار تسمى إلحادية… وبمناسبة الإلحاد صحيح، ففى وحدة اتشكلت فى مديرية أمن اسكندرية تُسمى “مكتب مكافحة النشاط الإلحادى”… ونفس الشرطة فى نفس الشهر ألقت القبض على عائلة كاملة من بيتها برضه، مش فى مكان عام ولا حاجة، بتهمة “تشكيل شبكة للجنس التالت”… ده اسم التهمة على فكرة واللى فاهم إيه المقصود بيها يفهمنى…

الخلاصة، إن عندنا منظومة عدالة من أول الشرطة حتى القضاء مروراً بالنيابة العامة بتناصب المواطنين المصريين تقريباً على اختلاف هوياتهم العداء، فيما عدا نسبة ضئيلة جداً منهم هم الذكور المسلمين السنة المغايرين (أى محبى الجنس المغاير) اللى مش مهتمين بالعمل العام واللى ميسورين مادياً بحيث إن أى انحراف عن هذا النموذج لأى سبب لا يجرّ عليهم غضب مواطنين آخرين أو غضب الشرطة…

والنموذج المذكور فوق ده على فكرة هو النموذج التاريخى للمواطن المصرى اللى بترعاه الدولة فى مصر منذ منتصف القرن الماضى تقريباً… وده مش مختلف كتير عن النموذج اللى عايزه الإخوان على فكرة… أو خلينا نقول إن هو ده تحديداً النموذج اللى عايزه الإخوان واللى تبناه ظباط يوليو بعد إضافة لمستهم عليه وهى ضرورة أن يكون هذا المواطن سلبياً تماماً يتم استدعاءه فقط عند حاجة النخبة الحاكمة…. وبالتالى، وبالرغم من كونه نموذج الإخوان، إلا إنه من ضمن شروطه إنه كمان ميكونش إخوان…

ده عملياً هو نموذج “المُجند” اللى بيرعاه الجيش المصرى فى معسكراته…. وغاية هذه الأحكام القضائية والقرارات الإدارية اللى تبدو متضاربة والحال كذلك هى المساهمة فى الجهود اللى بتقوم بيها منظومات أخرى فى تحويل مصر لمعسكر تجنيد إجبارى كبير… مش بالضرورة حينجحوا ولكنهم طبعاً بيتمنوا…. ولو فى معنى لنضالنا فهو إننا بنناضل ضد تحويل “الوطن” إلى “معسكر” سواء على إيد ظباط أو على إيد مرشد الإخوان!

………………………..

يدور حديث الآن فى بلدنا عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة بهدف سد العجز فى انتاج الكهرباء اللى كلنا حاسينه الأيام دى…. ودى طبعاً قضية خلافية جداً وخطوة ليها مؤيديها ومعارضينها، بس الأهم إن ليها طابع “فنى” للغاية مينفعش الواحد ياخد موقف من غير ما يبقى ملم بيه بشكل عام… البوست ده للصديق أكرم اسمعيل – اللى هو مهندس كهرباء مؤيد للخطوة- وتعليقات كتير من الأصدقاء النشطاء المعارضين بتقدم معرفة معقولة جداً بالموضوع وبالآراء المختلفة… أعتقد إن قرايته مهمة لأى واحد عايز يكون موقف… أنا شخصياً فهمى للموضوع اتحسن بشكل كبير بعد القراية وإنت كنت لسه مش قادر أحسم موقف بشكل نهائى طبعاً…. قراءة ممتعة فعلاً ونموذج عظيم لما يُفترض أن يكون عليه الجدل العام….

ملحوظة: من سنة تقريباً كان فى شخص تافه اسمه محمد مرسى بيشتغل رئيس جمهورية طلع قال للشعب المصرى اللى انتخبه وجابه مكانه إن مشكلة قطع الكهربا سببها إن فى واد بياخد عشرين جنيه عشان ينزل السكينة… للأسف هذا الشخص التافه مش حيقدر يقرا البوست، فممكن تشيروه لأى تافه آخر من أتباعه التافهين يمكن تفيده بشئ يقلل من تفاهته شوية…

………………………..

واضح من أزمة أسوان الحالية إن خطابات الهوية المغلقة والحدية هى المهيمنة على مداخلات أغلب الزملاء والأصدقاء النوبيين مع استثناءات بسيطة جداً… وده مش وقت مناسب لتفكيك اللى بيقولوه لأنهم مكلومين، وفى المقابل أكيد لو قعد هؤلاء الأعزاء يدافعوا عن هذا الخطاب للسنة اللى جاية فأنا مش حقتنع… وبالتالى مفيش معنى من استمرار النقاش حالياً…

ويبدو إننا فى مصر مكتوب علينا نمر بكل الخبرات و “الصرعات” العالمية متأخر عن معادها عقد أو عقدين على الأقل، من أول سياسة التنمية ب”الإحلال محل الواردات” مروراً ب”الثورات الإسلامية” على الطراز الإيرانى و “الثورات الملونة” على طراز أوروبا الشرقية وحتى صعود “النزعات القومية- الإثنية” على طراز البلقان!

………………………..

بخصوص انتخابات الرئاسة، لازلت مقتنع إنه لا عمل سياسى بدون فرصة سياسية… والفرصة السياسية هنا لا تعنى “انتفاء القمع”… بالعكس، ممكن تتواجد الفرصة السياسية فى أجواء شديدة القمعية، زى ال18 يوم الأولانيين للثورة مثلاً… العمل فى ظل غياب أى فرصة يبقى أى حاجة غير إنه يبقى سياسة… يبقى إما مشاركة فى تهريج قائم لشرعنة الوضع القائم… أو جواز سفر ملكى لصناعة مجانين فى أعين الناس يتحولوا لهدف للتنشين عليه، أو “ملطشة” باختصار، بدون أى مكسب…

وبناءاً عليه، لا أرى أى فرصة سياسية من أى نوع فى انتخابات رئاسة الجمهورية الحالية…. وأرى الخطرين ماثلين بامتياز: أن يتحول حمدين صباحى لمحلل أو أن يتحول أى مرشح آخر – زى خالد على مثلاً حال ترشحه- إلى مجنون وملطشة للجميع… وفى الحالتين دى مش سياسة…

وده لا يعنى إن الفرصة مش موجودة فى مساحات واستحقاقات أخرى زى انتخابات مجلس الشعب القادم مثلاً… ودى مش أول مرة نواجه فيها حالة زى كده على فكرة… انتخابات مجلس الشعب 2010 كانت كده بالظبط: سياق لا يسمح بأى مكسب بينما أن سياقات أخرى تتشكل كانت تستحق الاستثمار، وقد كان… كل انتخابات المجالس المحلية مثلاً فى وقت مبارك…. انتخابات مجلس الشورى 2011 مثلاً…

فبالتالى، المقاطعة لا هى بدعة ولا إهدار لفرصة ولا حاجة… اللى ضد المقاطعة هو اللى عليه عبء اثبات أن هناك فرصة فى هذا الواقع تخرج بمرشحه عن احتمالىّ “المحلل” أو “المجنون”

………………………..

اللى متخيل إنه حيقضى على الإرهاب بالحل الأمنى المجرد غبى بالطبع… ولكنه على الأقل عنده شئ شبه الانتصار على خفيف كده حصل فى نهاية التسعينيات ويقدر يجادل معاك للصبح بالإحالة إلى الخبرة دى… إنما البهيم اللى متخيل إنه حيسقط النظام المصرى اللى احنا كلنا عارفينه بالقنابل، ده بيستند لإيه أو بيفكر فى إيه؟… ده انتوا يا معفنين أفشل وأتفه حركة إسلامية مسلحة حصلت فى التاريخ… حركة إسلامية مسلحة هُزمت على إيد جهاز أمنى تافه انهار هو نفسه فى أربع ساعات بعد كده فى 28 يناير… جايبين العبقريية دى منين مش فاهم؟

………………………..

كتير من الإخوان والمتعاطفين معاهم بيستخدموا مسألة انقطاع التيار للهجوم على السيسى… حقهم طبعاً… بس الملاحظ إن مفيش فيهم بنى آدم واحد عنده استعداد يلمح -فقط يلمح- إن البائس مرسى كان بيهزى وهو بيتكلم عن الواد بتاع سكينة الكهربا اللى بياخد عشرين جنيه ويقطع النور… ده لو ليه دلالة واحد عندى، فهى إن الناس دى بتستخف بينا وتحتقرنا يمكن أكتر من استخفاف الجيش ومن والاه بكتير… وأنا شخصياً أبادلهم استخفافاً باستخفاف واحتقاراً باحتقار!

………………………..

لا أعتقد إن فى أى كليشيه باصدق فيه فى حياتى بقدر ما بصدق فى أثر فصل الربيع… مفيش حاجة قادرة على اسعادى زى انتهاء الشتاء… أياً كان حال الطقس بعد كده وأيا كانت ظروفى الشخصية أو الظرف العام… انتهاء الشتا فى حد ذاته مصدر تحول جذرى فى مزاجى كفيل بإنى أتعامل مع أى ظرف مهما كان… وداعاً أيتها الكمكمة.. وداعاً للأيام الكئيبة… وأهلاً بآخر إكليشيه فى حياتى.. أستقبلك بابتسامة واسعة ومزاج رايق وأمل فى سعادة تترك أثرها فى الروح وتعيننا على الشتاء القادم

………………………..

الشئ المدهش -المدهش بحق- فى تفسير الغالبية العظمى من المحللين لميول أردوجان الديكتاتورية، اللى زادت عن حدها خلال الكام سنة اللى فاتوا، هى تركيزهم على أى حاجة -أى حاجة حرفياً بما فى ذلك التأليس على شخصيته- وتجاهلهم الحاجة الوحيد المؤكدة واللى يعرفها الجميع، وهى انتماء أردوجان لأيديولوجية شمولية تعتنقها الغالبية الكاسحة من حزبه وهى الأيديولوجية الإسلامية!

………………………..

كل هذه التضحيات حتى تتصارع ثﻻث جثث على مستقبل اﻷحياء من المصريين؟! جثة جمال عبد الناصر… جثة أنور السادات… و جثة حسن البنا!

………………………..

اليأس خيانة… التفاؤل سخافة!

………………………..

الحقيقة إن أصعب جانب فى المأزق الحالى هو احتمال نجاح الانقلاب بمعنى من المعانى… بينوشيه كان مجرم لكنه قضى على اليسار الجذرى وأعاد هيكلة المجال السياسى بالكامل فى النهاية… الأهم إنه مات فى فراش دافئ فى النهاية بلا محاكمة… كنعان إيفرين نجح فى تركيا سنة 80 كذلك… ولما حاولوا يحاكموه من سنتين كان تقريباً ناسى اللى حصل بسبب الزهايمر… يعنى عملياً مفيش انتقام ولا عدالة فى الحالة دى.. الاتنين دول وغيرهم لا عملوا معجزات ولا نيلة على فكرة… وبعيداً عن أوهام النيوليبرالية فمعدلات التنمية والتصنيع فى التجارب دى محدودة… يعنى الرهان برضه على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لإجهاض المسار الحالى ممكن يبقى مش فى محله…

المقبض بالنسبة لى إن التجارب دى نجحت فى القضاء على الأخطار الحالة من وجهة نظرها، لكنها لم ترجع بالزمن للوراء… بينوشيه لم بنجح فى المقابل فى إعادة تأسيس نفس أنماط العلاقات الاجتماعية اللى كانت سائدة قبل صعود اليسار… ولا إيفرين نجح إنه يعمل طبعته من الإسلام التركى زى ما كان شائع وقتها…

ولكن تمخض عن التجارب دى وغيرها عالم جديد بالجملة بمشاكل وأزمات وأحلام جديدة… و “ثوار” جدد إن جاز التعبير… بيحملوا مشاعر ود وإعجاب -أو “شفقة”- على اللى راحوا فى زمن الانقلابات دى… لكنهم واعيين إنهم فى عالم تانى خالص وإن اللى حصل فى النهاية مجرد ذكرى حزينة… مش عارف هل إمكانية تحولنا كلنا كده لذكرى تثير الأسى للى جايين ورانا ده شئ يبعث على الحزن ولا الفزع ولا التفاؤل؟؟… مجرد احتمالات فى النهاية!

………………………..

عمرو عبدالرحمن، باحث في العلوم السياسية، ومحاضر للقانون بالجامعة الأمريكية، وناشط سياسي يساري بارز.
https://www.facebook.com/amr.abdelrahman.397/about

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *