كيف حدث يوم 25 المعرفة والتنظيم عبر الإنترنت

 

أحمد ناجى

صورة موجزة للماضى

في أوروبا والدول الغربية طورت النظم الديمقراطية والليبرالية بنيتها في العقود الأخيرة لخدمة مصالح التطور والإنتاج الرأسمالي، وقد كان نتيجة هذه التجارب السياسية المتعددة ظهور ما يعرفه الفيلسوف الإيطالى “أجامبين/ Giorgio Agamben” بالإنسان الخليع/ Homo sacer” الذي بقدر من الابتسار المتعسف يمكن تقديمه بصفته ككائن إنسانى حى لكنه ليس جزءاً من المجتمع السياسي.
وحسبما يوضح سلافوى جيجيك/ Slavoj zize1 فبعد عالم 11 سبتمبر تحول مصطلح الإنسان الخليع إلى مصطلح عالمى لا يشمل فقط حركة طالبان ومقاتلي القاعدة في أفغانستان، بل يشمل أيضاً قطاعات كبيرة وعريضة من الشعوب العربية. لقد بدا واضحاً لإدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش إستحالة بقاء المنطقة العربية على وضعها الحالي، حيث تشكل عقبة في تطور السوق العالمى. فالتعاملات الاقتصادية لا تتم بشفافية، وبيئة القهر والكبت السياسي التى يمارسها الحكام العرب تؤدى إلى تفجير الطائرات في نيويورك. هكذا شاهدنا نحن البشر المخلوعين في البلدان العربية كيف يصافح حكامنا العسكريين العسكريين الأمريكا ويلوحون لهم من على الشاطئ بينما حاملات الطائرات الأمريكية تعبر لتضرب إخواننا في العراق بدعوى نشر الحرية والديمقراطية.
على الجانب الآخر شاهدنا كيف يسعي الأوروبيين لتنمية مهارتنا نحن البشر المخلوعين من خلال برامج المساعدات الاقتصادية والتنمية الثقافية والمحاضرات الطويلة عن أخلاق البحر الأبيض والمتوسط والسلام ثم السلام ثم السلام. كل هذا بينما القادة الأوروبيين يصافحون الديكتاتورين العرب ويدعمونهم بالقنابل المسيلة للدموع وأدوات مكافحة الشغب بل يرسلون إلي البلدان العربية المتهمين والمشتبه فيهم لتقوم كلاب التعذيب العربية بتعذيبهم وانتزاع المعلومات وتسليمها لهم. فالتعذيب كما نعرف مهمة مؤلمة للقلب الأوربي والغربي.
لقد كانت نتيجة كل ما سبق في بلد مثل مصر، ظهور نظام حكم امتد على مدار ثلاثين عاماً بدعم ومباركة غربية طالما هذا النظام يمكنه السيطرة على شعبه، ويسير في سياسته الخارجية ضمن التوجهات الأمريكية.

لكن كيف سيطر هذا النظام على المصريين؟
تستلزم الإجابة على هذا السؤال مؤلفات كاملة ودراسات تاريخية معمقة. لكن ربما تكون أبرز الأدوات التى استخدمها نظام مبارك لفرض سيطرته أداتان أساسيتان:
1-حزمة من القوانين تبدأ بقانون الطوارئ تحول المصريين بشكل قانونى فعال إلي Homo sacer ممنوعين من ممارسة الحياة السياسية وتسلبهم حق تقرير المصير لصالح عصابة من رجال الأعمال يرتدون أقنعة الليبرالية، بمباركة أمريكية ودولية طالما حافظ هذا النظام على دوره في السوق العالمى، وتمكن من السيطرة على الاحتجاجات الشعبية بعيداً عن كاميرات الإعلام.
2-آلة إعلامية ضخمة تعمل على قلب الحقائق وتصور المعارضين السياسيين كإرهابيين محتملين، وتعظم من صورة الرئيس ليصبح الأب والإله المبتسم دائماً والصدر الحنون على شعبه.

فرض هذا الوضع على ملايين المصريين حياة يسودها الغموض والعزلة، وأصبح التعبير عن الرأي مغامرة ليست مأمونة العواقب. أما هؤلاء الذين طمحوا إلى ممارسة حقهم السياسي والسعي إلي تغيير وإصلاح مجتمعهم نحو الأفضل فلم يترك نظام مبارك أمامهم أى مجال سوى طريقتين:
1-الانضمام إلي المشهد السياسي ضمن ما هو مسموح، بمعنى التواجد داخل حزب من أحزاب المعارضة الكارتونية، والقبول بدعم نصف مليون جنيه سنوياً مقابل إعاقة كل جهودك للانتشار جغرافياً أو إعلامياً، والتحول إلى كومبارس في الخلفية وراء الرئيس.
2-العمل بشكل غير معلن أو رسمى، وفي تنظيم يعتمد الشكل الهرمى لتنظيم أعضائه ولا يترك مجال لممارسة تبادل السلطة داخلياً ويحتل الصفوف الأول أصحاب الشعر الأبيض كما في حالة الإخوان المسلمين.
وفي النهاية يؤدى كل الطريقين إلى الحفاظ على توازن القوى داخل النظام، وعلى استمرار النظام في أداء دوره بفاعلية أكبر واستمرار حكم مبارك وتنفيذ مخطط التوريث لتسليم البلاد إلى جمال مبارك النموذج السوبر ليبرالي الجديد الذي يتم استيراده من أوروبا والدول المتقدمة.

مرحلة الألفين وخمسة

في عام 2003 وبينما تستعد القوات الأمريكية ومعها حلفائها الأوربيين لشن حربها المدمرة على العراق انفجرت المظاهرات الرافضة للحرب في عدد من العواصم العالمية ومنها القاهرة. كان المشهد مذهلاً حسبما يتذكره البعض. تدفق عشرات الآلاف على ميدان التحرير. بدا كأنما يتعرف المصريون على الشارع مرة ثانية بعد عقود طويلة تمكن النظام من حبسهم أما في الزنازين أو أمام شاشات التلفزيون المحلى. تدخلت قوات الأمن لفض المظاهرات بقسوة. لكن من هذه المظاهرة ولدت مجموعات متناثرة من العمل السياسي شبه السري معظمها حمل عناوين بعيد لجان لدعم القضية الفلسطينية، أو لرفض الهيمنة الأمريكية.
ظل نشاط مثل هذه الحركات السياسية في نطاق ضيق محاصر برقابة أمنية لا تتهاون في التعامل بقسوة مع أى شخص، حتى كان الانفجار الكبير في نهايات عام 2004 حينما ظهرت حركة “كفاية” كأول حركة سياسية تطالب بتغيير حقيقي في مصر.
صاحب كل هذه الأحداث نمو شبكات الاتصالات المصرية وتغلغل الانترنت داخل بنية المجتمع المصري وشرائحه الاجتماعية المختلفة. شهدت سنوات التى تلت 2005 ظهور المدونين ونشطاء الإنترنت، وسرعان ما تحول الأمر إلي حمى تجتاح العالم العربي.
خلق الإنترنت مجتمعات افتراضية متكاملة، دعمت من قوتها ظهور الشبكات الاجتماعية من “الفيسبوك” إلى “تويتر” وعبر النقاشات الممتدة لسنين طويلة بين أفراد هذا المجتمع كانت تجري بين هؤلاء الشباب عملية تثقيف ذاتي، وتنشئ الاستقطابات والانحيازات السياسية والايدولوجيا أحيانا بشكل مباشر وأحيانا بشكل غير مباشر.
ظهر طريق ثالث أكثر تمرداً من تمرد المعارضة المصرية الغارقة في بؤس تنظيمها، ورقابة رجال أمن الدولة.
وقبل عدة أسابيع من 25 يناير، كان الرئيس محمد حسنى مبارك يلقي كلمة في البرلمان الخاضع لسيطرة حزبه بنسبة 99%. وحينما سألوه عن رأيه في تنظيمات المعارضة وعوالمهم الافتراضية كان رده الساخر: سيباوهم يتسلو.

الجبهات الثلاثة لما قبل ثورة 25 يناير

عبر مئات السنين ترسخ شكليين أساسيين من التنظيمات السياسية. الأول هو الشكل الهرمى، حيث هناك قيادة فردية أو حلقة ضيقة تفرد هيمنتها ورؤيتها على مجموعة كبيرة ومتنوعة يجمعها فضاء أيدلوجيا محدد. أو الشكل العنقودى حيث هناك الإطار الفكري والإيدلوجيا الذي يجمع مجموعة كبير من البشر منتشرين في خلايا متناثرة جغرافياً ولها استقلالية تنفيذية محدودة.
لهذا السبب حينما بدأت أحداث الثورة المصرية كما كثيراً ما نسمع ونري محللين سياسيين يدعون عن جهل غير مقصود أن أحداث ثورة 25 يناير هى ثورة ليست منظمة بل قيادة أو جماعات سياسية دافعة. والحقيقية أن أحداث ثورة 25 يناير هى ثمرة لانطلاقه شاركت فيها ثلاث مجموعات أساسية، لكن لأن هذه المجموعات ليست مُنظمة طبقاً للشكلِ التقليدى “هرمى” أو “عنقودى”، رأى البعض أنها ثورة عفوية غير منظمة وهو الأمر الغير صحيح تماماً، ويفترض في استخفاف واضح أن جميع ما حدث ليس إلا مجرد فورة عاطفية حدثت فجأة كالتطور الدرامى للأفلام الهندية.
أن الانترنت بما يتميز به عالمه من سرعة وأمان افتراضي يوفر للمستخدمين حرية كبيرة جداً ويسرع من عملية تفاعلهم مع الأحداث، لذلك فأى رسالة سياسية مهما كانت ضرورتها سوف نجد كيف أنها على الإنترنت يتم مناقشتها وتقليب جميع أوجهها وكيف يتخذ المستخدمون منها مواقف قد تبدأ من الانحياز الشديد حتى الاعتراض اللانهائي. وبالتالى لا توجد أفكار مقدسة ويستحيل فعليا خلق أو ترويج أفكار مقدسة لا تتعرض للنقد على الإنترنت. بما في ذلك الأفكار الايدولوجيا التى تروج لمنظومة عمل سياسي محدد، أو حتى الترويج لقيادات ووجوه وأسماء محددة بصفتها رموز أو قيادات لحركة سياسية ما.
لقد طور مجتمع الانترنت الافتراضي المصري شكل جديد من العمل والتنظيم السياسي يقوم بالأساس على رفع درجة الوعى ونشر المعرفة من خلال حوارات يشترك فيها الجميع، وقد كان أحد أبرز العوامل التي أدت لاتساع شبكة مجموعة خالد سعيد على الانترنت والتى تجاوزت قبل أحداث الثورة “نصف مليون مشترك” هو دخول “الأدمن” في حوارات مباشرة مع كل هؤلاء الجمهور والرد على كل استفساراتهم بل وأحيانا تحويل هؤلاء المستخدمين إلي “أدمين”. الأمر الثانى الذي تميزت به تلك التنظيمات السياسية والاجتماعية هو التحرك العاطفي لكن في الوقت ذاته القدرة على التحرك بشكل جماعى على نحو دقيق دون الحاجة إلى استخدام النماذج التقليدية من لجان ولجان فرعية والحلقة الطويلة للتنظيمات الهرمية.
والمدقق في شريط التاريخ السيبري يمكن أن يري بوضوح كيف أن القوة الدافعة لأحداث ثورة 25 يناير تشكلت على مدى سنوات طويلة على الانترنت، ونمت ونظمت من صفوفها بتلك الطريقة الجديدة وترسخت في ثلاث جبهات رئيسية:

-الجبهة الحقوقية:
كانت حقوق الإنسان من أبرز منظومات القيم التى جمعت الكثير من مستخدمي الإنترنت وخصوصاً الشباب. صحيح أن هناك الكثير من النقاط الخلافية داخل ميثاق حقوق الإنسان التى قد تثير بعض الحساسيات الدينية، لكن لا أحد يمكنه الاختلاف على حق الإنسان في الحياة الآمنة ولذلك كانت قضايا التعذيب الذى تمارسه أجهزة الشرطة ضد المواطنين من أكثر القضايا التى ساهمت في توسيع هذه الجبهة.
لقد تشكلت هذه الجبهة من مدونين وأعضاء في شبكات اجتماعية على الانترنت من طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة، وعملت هذه الجبهة ومنذ عام 2005 على رفع الوعي أولاً بخطورة قضايا التعذيب. ففيديو مثل فيديو “عماد الكبير”2 أو فيديو “الضرب على القفا”3 كلها كان يتم تداولها على الإنترنت وأجهزة الهواتف النقالة بصفتها مقاطع مضحكة، أو مشاهد طريفة تدور في كوكب آخر.
لكن كان المدونين ونشطاء الإنترنت هم أول من نشر هذه الفيديوهات على نطاق واسع وقدمها بصفتها جرائم تستحق المحاسبة والعقاب، ولعب الإنترنت بالتعاون مع وسائل الإعلام الآخري في كسر حاجز الخوف أولاً وفضح هذا الانتهاكات التى واظب النظام السابق على ارتكابها. وخلال أكثر من خمس سنوات تمكن نشطاء الجبهة الحقوقية التى لا تتكون فقط من منظمات المجتمع المدنى من صنع استقطابات قوية من شرائح متابينة داخل المجتمع المصري. وتوحيد جماعات متنوعة من المجتمع في الجبهة الحقوقية. ولا أدل على ذلك من مجموعة خالد سعيد التى تبنت بعد ذلك قضية سيد بلال المنتمى للتيار السلفي والذي توفي من أثر التعذيب على يد رجال الأمن.
يجب أن نشير أيضاً إلى أن الجبهة لم تكن منظمة ولا ممثلة في جروب خالد سعيد فقط، بل تشكلت من حلقات متعاونة تضم منظمات مجتمع مدنى، أحزاب معارضة سياسية مستأنسه وغير مستأنسه. كما أن نقطة التحول الحقيقية في هذه الجبهة كان في سعيها لابتكار طرق ووسائل جديدة في الاحتجاج.

الألتراس:
من أوروبا انتقلت فكرة الألتراس إلي مصر عام 2007، وحسبما يؤكد محمد جمال أحد المؤسسين لرابطة الألتراس الزمالكاوى فالانترنت يعود إليه الفضل في انتشار ثقافة الألتراس وتدعيم الهيكل التنظيمى لكل رابطة. وخلال سنوات قليلة توسعت شبكة الألتراس لتشمل مناطق جغرافية متعددة، كما استخدمت روابط الألتراس الانترنت ووسائل الإتصالات الحديثة لتوحيد صفوف التنظيم في بنيان وجسد واحد وبشكل يفوق يفوق تنظيم جميع الحركات السياسية والاجتماعية المصرية.
لقد شاهدنا في فترة على سبيل المثال كيف خصص أفراد الألتراس رقم تليفون محمول لجمع التبرعات، يتم تحويل الرصيد عليه من جميع مناطق الجمهورية ثم تحويل الرصيد إلى أموال نقدية لتمويل أنشطة الرابطة. وهكذا فبمساهمات بسيطة نجحت روابط الألتراس في تجاوز كل العقبات الاقتصادية والجغرافية للتواصل والتنظيم.
ومثل روابط الألتراس في مختلف دول العالم، فقد كانت روابط الألتراس الزمالكاوى والأهلاوى المصرية أبطال لكثير من الاشتباكات بعضها كان بين الروابط المختلفة وبعضها بين الروابط وبعض رجال الشرطة.
كان من الذكاء أن تظل علاقة روابط الألتراس بالشرطة والدولة في حدود ذلك اللقاء بين أفراد الألتراس ورجال الشرطة في الملاعب، لكن غباء وخوف النظام الحاكم السابق جعله يصعد من معركته مع الألتراس، والتعامل معهم كتنظيم خطورته ليست في احتوائه على شباب قد يشوب بعض تصرفاتهم قدر من العنف، بل خطورته في وجوده أساساً.
وعملت آلة النظام على مدى سنوات لمحاولة تفكيك روابط الألتراس، بداية من حملات تشويه قادها أحد أعضاء البرلمان عن الحزب الوطنى (أحمد شوبير)، وآلة إعلامية ضخمة حاولت تشويه صورة روابط الألتراس. أما على الأرض فقد تحولت مباريات كرة القدم خصوصاً في الأقاليم بعيد عن كاميرات الإعلام إلى معارك حقيقية بين قوات الأمن المركز وشباب الألتراس.
لقد نمت كل هذه التصرفات حالة الانتقام لدى شباب الألتراس، وهو في تلك الحالة ليس انتقام بغرض تحقيق العدالة ورفع الظلم كما في حالة الجبهة الحقوقية، بل هو انتقام مدفوع بمشاعر غاضبة لا يمكن ترويضها.
كل هذه الأسباب جعلت الألتراس هم رأس الحربة الحقيقية لمظاهرات يوم 28 يناير، وبكل الحسابات فلم يكن باستطاعة الشباب والمواطنين الذين خرجوا للتظاهر سلميا يوم 28 يناير مواجهه هجوم قوات الأمن المركزى. يؤكد ذلك الفيديو الذي تم نشره يوم 23 ويحتوى على لقطات مجمعة لمواجهات الألتراس مع قوات الأمن، وتأكيد جماعة 6 أبريل أحد المنظمين الأساسيين ليوم 25 يناير أن الألتراس سوف ينضمون إليهم لبعث رسالة واضحة أن هناك فصائل لديها خبرة كافية وجاهزة للالتحام ومواجهة هجوم قوات الأمن.
أن الساعات القليلة الفاصلة بين صلاة الجمعة يوم 28 يناير وإعلان حظر التجوال ونزول الجيش إلى الشارع كانت معركة عسكرية حقيقية لا يجوز وصفها إلا بحرب الشوارع. والألتراس كانوا الفريق الوحيد الذى تدرب على مدار سنوات من الاحتكاك مع جيش وزارة الداخلية في المباريات الرياضية المختلفة على المواجهة المباشرة، ومساندة قطاعات واسعة من الشعب المصري لشباب الألتراس يوم 28 يناير حمت خطوطهم الخلفية وفتحت الطريق لتحويل تلك المعركة من كونها مجرد أحداث شغب إلي ثورة شعبية.

شباب الإخوان

استطاع تنظيم الإخوان المسلمين الاستمرار والتواجد على الساحة المصرية لأكثر من 80 عاماً، واعتمد سر بقاء الإخوان طوال هذه الفترة على تكنيكيين أساسيين:

1-عدم الدخول في صراع مباشر مع السلطة. فالتغير كلمة غير موجودة في قاموس الإخوان ويتم غالباً استبدالها بكلمة آخري وهى الإصلاح. والتى تترك دائماً باب التعاون مع السلطة مفتوحاً إذا أرادت تلك السلطة تعاون الإخوان المسلمين وهو ما حدث على فترات متباعدة طوال التاريخ السياسي المصري.
2-اعتماد الهيكل التنظيمى للإخوان على الهيكل العنقودى، بالتالى فرغم الالتزام بالأفكار الرئيسية والمواقف السياسية المعلنة إلا أن هناك الكثير من الاختلافات والرؤي المتابينة بين أعضاء الجماعة وبعضهم البعض. وهو أمر طبيعى في أى تنظيم سياسي إلا أن ظروف السرية والاعتقالات التى طالت الجماعة طوال تاريخيها حالت دون فتح نقاش حقيقي داخل الجماعة على الكثير من الأمور بداية بقضايا تنظيمية كاختيار المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد وحتى قضايا سياسية كحدود حرية الرأى والتعبير فحينما يزور قيادى في الجماعة د.عبد المنعم أبو الفتوح نجيب محفوظ ويمنحه قلم في عيد ميلاده يشن عليه أعضاء الجماعة هجوماً حاداً، لأن نجيب في رأيهم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء المسموح بها.
ومع ظهور الإنترنت وانتشاره حاولت الجماعة تدعيم هيكلها التنظيمى بعشرات من المواقع التى تخدم الجماعة في نطاقات جغرافية محددة.
إلا أن الانترنت أعطى الإخوان أيضاً وخصوصاً الشباب منابر مستقلة عن الخط الرئيسي للجماعة، كما مثلت بالنسبة لهم نافذة للتعرف والحوار مع التيارات السياسية والاجتماعية الأخري في المجتمع المصري بعيداً عن حضانة الإخوان المعقمة والمسيطر عليها من قبل قيادات الجماعة. بالتالى شهدت الفترة من 2005 خروج الكثير من الشباب عن ثوب الجماعة وخضوع البعض لاستقطابات سياسية حاولوا عبرها البحث عن طريق وسط بين أفكار كالديمقراطية وحرية الرأى والتعبير ومنهج الجماعة.
قيادات الجماعة وبقليل من الخبرة وصلت إلي حل وسط وهو غض النظر عن أفكار ورؤي هؤلاء الشباب مع الحفاظ على وجودهم وانتسابهم للجماعة.
لهذا فحينما ظهرت بودار أحداث ثورة 25 يناير كان الموقف الرسمى المعلن من الجماعة هو عدم المشاركة فيها وإن كان من حق أى فرد المشاركة فيها بصفته منفرداً. وفي الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن تطلق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين في ميدان التحرير ليلة 25 يناير كانت قيادات الجماعة توجه رسالة استعطاف إلى القيادات السياسية في نظام مبارك وتقدم لهم خارطة طريق للخروج من الأزمة!!
بل وحتى بعد تغيير المشهد تماماً يوم 28 يناير وانقلاب ميزان القوى لصالح جماهير الثورة، ذهبت قيادات الجماعة للتفاوض مع نائب الرئيس عمرو سليمان بينما شباب الإخوان معتصمين في الميدان ويرفعون لافتات ترفض التفاوض قبل الرحيل.
يتم إعداد الفرد الإخوانى عبر سلسلة من الفعاليات الإجتماعية والدينية التنظيمية التى يواظب أعضاء الجماعة على أدائها. تبدأ بالجلسات الأسبوعية إلى الصلاة باستمرار في مساجد وجوامع متفق عليها وحتى الرحلات الترفيهية والمعسكرات التدريبية. ومثل هذه الطريقة التربوية إلى جانب الحصار الذي فرض على الإخوان لسنوات كانت تخرج وباستمرار أفراد متشابهون محكمون دائماً بقرارات الجماعة ويقتصر دورهم على كونهم مجرد أدوات لتنفيذ سياستها، في حين يتم غلق كل الأبواب أمامهم للمشاركة في صنع القرار داخل الجماعة أو رسم مستقبلها إلا بعد أن يبيض شعر رأسهم.
ولقد نجح الانترنت في كسر هذه الحلقة الضيقة، وفتح شباب الإخوان على عالم أكثر رحابة، وبالتالى أصبحت مشاركتهم في الحياة السياسية أكثر فاعلية وأعمق في الرؤية ولا أدل على ذلك من أن شباب الإخوان في الجامعات عام 2006 كان شعارهم “لا للقنوات الإباحية” وأضخم حملها قاموا بها داخل الجامعة كانت ضد القنوات الغنائية التى تعرض الكليبات المصورة الإباحية في رأيهم. أما في 2010 فقد كانت معركتهم من أجل انتخابات حرة ونزيهه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *