مدونة (طرقعة كيبورد) يحررها المدون المصري عمرو مجدي، وتتخذ المدونة شعار “وحُبي لكِلايَتغذى على حُبِكِ إيايْ، كَنّبْتٍ صَحرَاوي يَرعى مِنْ حيث يُظن به الموت.” تركز المدونة بشكل واضح على المقالات السياسية وإن كان يتخللها بعض التدوينات العامة.
في هذه التدوينة يتحدث عمرو مجدي عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية ويركز في التدوينة على بعض الدلالات التي لاحظها في الاستفتاء مثل الإشراف القضائي والتنافس الديمقراطي.
مدونة طرقعة كيبورد
http://tark3atkeyboard.blogspot.com/
الاستفتاء بوصفه شاهدا لا مشهودا
في الخبرة الشرقية من قديم الزمن، لا ينسى العروسان أدق التفاصيل، يستغرقان بكامل قواهما في تفاصيل تبدأ من لون الجورب وأزرار القميص، ولا تنتهي بقاعة الفرح والمعازيم. وحين ينسى أو يتجاهل أهل العُرس كثيراً من هذه التفاصيل، ولا ينتقص ذلك من فرحتهم شيئاً، فإن هذا يستدعي استنتاجا أن ثمة معاناة عسيرة ومخاض طويل مر به أصحاب العرس وصولا إلى عرسهم، إلى الحد الذي جعلهم ينتشون طربا دون التفاصيل المعتادة.
التعامل مع الاستفتاء بذات المنطق (الأفراحي) السابق، وإن كان ينم عن عطش المصريين الرهيب لممارسة حقوقهم، يحول الاستفتاء لحدث “مشهود” فحسب، ولا يجعله “شاهدا” على ماجرى، إذ أزعم أن ماجرى كان فيه العديد من الأخطاء والخطايا التي تشي بالخطر. وفيما يلي تفصيل ذلك.
أولا: في دلالات نتائج الاستفتاء:
إن تصويت 77% من المشاركين بنعم، لا يجب من ناحية أولى أن يعتبره خصوم الإسلاميين انتصاراً للإسلام السياسي إذ أن ذلك يمهد لاستخدامه كفزاعة مهترئة كرهناها، كما لا يجب من ناحية أخرى أن يغتر به أنصار ذلك التيار، إذ أن المصوتين بنعم كانوا أطيافا كثر، وليس فقط جماعات الإسلام السياسي. بل أزعم إن هذه النتيجة هي أول انكشاف حقيقي للمبالغة الكبيرة في قدرة الإسلاميين على الحشد، وسوف يتضح ذلك أكثر في الانتخابات القادمة.
النقطة الأخرى المهمة، هي أن نسبة التصويت المنخفضة نسبيا (41% فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم) يجب أن تقرع جرس الإنذار، ذاك أن فرحة الشعب المنتصر لا تعني أنه أنهى مخاصمته للسياسة، بعبارة أخرى فإن ثمة جسور ثقة ومجهود للتواصل بين الأحزاب والناس يجب أن تبنى كي يستدعى أغلبية الشعب لمخاصمة ثقافة مقاطعة الانتخابات التي تربوا عليها على مدار 60 عاما.
إن هذا الرقم يعني ببساطة أن بناء عملية سياسية حقيقية، على أنقاض ثنائية “الوطني – الإخوان” تتطلب مجهوداً حقيقيا وشاقا، من جميع الأطراف.
ثانيا: في دلالات الإشراف القضائي:
الدلالة الأشمل والأعم هنا إن عودة الإشراف القضائي على عملية الاقتراع من أولها لآخرها هو الضمانة الحقيقية لنزاهة أي عملية ديموقراطية، وقد أحسن المستشار محمد عطية القول في المؤتمر الصحفي في الرد على سؤال ذي صلة، بوضوح تام إن القضاء في خدمة الشعب، مما يعني إن حجج النظام البائد عن إرهاق القضاء في الإشراف على الانتخابات كانت خزعبلات واهية لا تعبر عن رأي القضاة.
ماسبق لا يعني أن “كله تمام”، بل ثمة قصور خطير شاب عمل اللجنة، وأهم أوجه القصور تتمثل في أمرين:
الأول هو عدم وجود وسيلة سوى الحبر الفسفوري لمنع تصويت المواطن أكثر من مرة، وهي طريقة بالية وغير كافية إطلاقا، ويجب اتباع أساليب أخرى أكثر جدية. ولا داعي للتذكير بأن كثيرا من اللجان لم يتوافر بها حبر فسفوري، والبعض تواجد به حبر فسفوري مخفف بالماء فيما يبدو، إذ ينزاح أثره بعد دقائق.
النقطة الثانية الخطيرة، عدم إعلان لجنة الإشراف القضائية عن نسب التصويت ونتائجها في كل لجنة فرعية على حدة، هو أمر خطير جدا من الناحية القانونية، وقد أشار لذلك الأستاذ ضياء رشوان في قناة أون تيفي، فكيف – على سبيل المثال – يمكن للناخبين الطعن على نتائج أي لجنة من اللجان دون معرفة نتيجتها؟
أوجه أخرى للقصور تمثلت في وجود الآلاف من الاستمارات غير المختومة، وقد ألقت اللجنة باللائمة على وزارة الداخلية المنوط بها هذا الأمر. خذ عندك أيضا تأخر وصول القضاة إلى كثير من المحافظات والمناطق الريفية والصعيد. والتردد بشأن مواعيد إغلاق اللجان واستقبال مزيد من الناخبين بعد الساعة السابعة.
كل ما سبق هي مناطق قصور، لم تأثر بالتأكيد على نتيجة الاستفتاء بشكل كبير، لكنها دليل آخر على ترهل مؤسسات الدولة المصرية، ويجب معالجتها بأقصى سرعة، لأن أموراً كتلك إن مرت الآن مرور الكرام، فإنها يمكن أن تسبب معارك كبرى في الانتخابات البرلمانية مع ارتفاع حدة المنافسة.
ثالثا: في إدارة التنافس الديموقراطي
لا يشكك أحد أنه وللمرة الأولى كانت الدعاية الانتخابية لجميع الأراء متساوية إلى حد ما وبذات القدر، برغم أن الإعلام الرسمي بدا في البداية مؤيداً لفريق “نعم” إلا أنه أتاح قدرا مساويا من حرية التعبير لأنصار “لا”، وهذا مكسب مهم.
على أن هذا المكسب عكرته خطايا من الكبائر، السكوت عنها محظور، ولا أفهم كيف تجاهلت اللجنة المشرفة على الاستفتاء التعليق عليها، ولا كيف فات القانونيون والقضاة التحذير منها، أو على الأقل توضيح مدى مخالفتها أو مطابقتها لقواعد القانون.
في مقدمة هذه الأمور يجيء الاستخدام السيء الفج للدين، فقد استدعت جماعات الإسلام السياسي – خاصة السلفيين – الدين بشكل مؤذٍ وقذر وشاهدنا جميعا دعاية من نوع “التصويت بنعم واجب شرعي” “التصويت بلا تأييد لأمريكا والكفر”. وهو الأمر الذي يسيء للسياسة والدين معا. وانتقل الأمر كردة فعل ساذجة وغبية من الكنيسة بدعوة أتباعها للتصويت بلا.
والذي لم يفهمه أتباع الفريقين أن المادة الثانية معطلة كباقي مواد الدستور، وأنها ستناقش حال وضع دستور جديد، وأنها لن تحذف في أي حال من الأحوال.
إننا نفهم سذاجة السلفيين لحداثة عهدهم بالسياسة، ونراهن على الديموقراطية لجعلهم يتطورون فيتحسنون، أو ينكمشون فيختفون، لكني لا أفهم سكوت الإخوان عن إدانة تلك الفتاوى سوى أنها برجماتية نفعية غير مسئولة، ولا أفهم سكوت القضاء عن ذلك الاستغلال للدين سوى أنه قصور يشي بالخطر.
إننا عاركنا جميعا ووقفنا إلى جوار حق الإخوان والإسلاميين في تكوين أحزابهم التي تستلهم الإسلام كمرجعية، لكن ثمة فارق وكبير وشاسع بين الإسلام كمرجعية، واستغلال الدين بهذا الشكل البذيء، الذي حتى ينافي قول ربنا “واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” فإن أهل الذكر هنا هم الساسة والمفكرون، وليس رجال الدين القابعون في مساجدهم لا يدرون إلا أقل القليل عن دنيا السياسة.
وأخيراً، انتهى العرس، لتبقى تفاصيله تعج بما يشي بالتفاؤل من ناحية، وما يشي بالخطر من ناحية أخرى، خاصة في قصور الإشراف القضائي على الانتخابات والدعاية، التي أتمنى أن يتداركها قضاء مصر العظيم، حتى لا تتحول الانتخابات القادمة إلى حرب أهلية ثقافية. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
————————————–
ملاحظة: اختصرت الكثير من المقال بعد كتابته، وليكن المقال المختصر بمثابة نواة لمادة أخرى مطولة أنشرها لاحقا إن شاء الله.
لقراءة التدوينة والتعليق عليها: http://bit.ly/f1z7dK