عندما حاول النظام خنقي

أسعد ذبيان صاحب مدونة “خربشات بيروتيه” واحد من أقدم المدونين اللبنانيين، معروفباهتمامه بالشأن الاجتماعي والسياسي وهو ما ينعكس على أغلب المواد التى ينشرها على مدونته.

في التدوينة التالية يكتب أسعد عن المظاهرة التى قام بها مجموعة من الشباب اللبناني ضد النظام الطائفي، حيث تعرضت المظاهرة للقمع على يد قوات الأمن اللبنانية.

خربشات بيروتيه
http://beirutiyat.wordpress.com

عندما حاول النظام خنقي
تفاجأ كثيرون منذ السبت بالصورة التي احتلت إحدى صفحات الجرائد. تتصل اختي باكيةّ تستفسر عن صورة لرجل أمن برتبة رائد يضع يده في رقبتي ويداي مشتبكتين بسواعد رفيقين، وكل ما أفعله للدفاع عن النفس هو ما لا تظهره الكاميرا، صوتُ يهتف: “سلميّة، سلميّة”. كنّا عشرات أو بضع عشرات يعدّون على أصابع اليد الواحدة في ساحة رياض الصلح. كان التمثال كعادته مثل كل أركان الحكم اللبناني يدير لنا ظهره في حين أنّ هراوات الشرطة وعناصر مكافحة الشغب والجيش والأمن العام تدير لنا الوجوه العابسة. لا أعرف ما الذي يضايق هؤلاء المؤتمنين على أمن البلاد من شبابٍ وشابات متعلّمين مثقفين يريدون بناء أمّة لهم ولأهلهم (وهم للمتظاهرين ورجال الجندرمة والجيش). هل يضايقهم أننا نخرجهم من ثكناتهم ليقفوا معنا لساعات تحت المطر أم الشمس؟ لا أعرف، كل ما أعرفه هو انني دائماً أتوجه إليهم وأقول لهم: “يعطيكم العافية”.
سأعود لمجريات القصة، كنّا قلّة نحاول الوصول إلى المجلس النيابي بدعوة من جمعية “شمل” من أجل الاعتصام كحقٍ دستوريّ اعتراضاً حتى إقرار “قانون لبناني للأحوال الشخصية”. كان يوم الثامن عشر من آذار وصودف أنّ “اللقاء من أجل قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية” في العام 1998 كرسه كيوم حرية الإختيار. وأنا اخترت الانحياز إلى زملاءٍ في اعتصامهم ايماناً بأنّ الحراك الشبابي الداعي لإسقاط النظام الطائفي مطلب محق، وقانون الأحوال الشخصيّة أحد أعمدة الدولة المدنية التي ننشدها. تجمعنا وحاولنا الوصول إلى برلمان الشعب فمنعنا حرس النواب، حاولنا جر نموذج سفينة خشبيّة عليها شراع يتضمّن المواد الدستوريّة والقانونيّة المحتقرة لكرامة اللبنانيين، فصدوا الرصيف بالحديد. حاولنا أن ندخل واحداً واحداً، فمنعونا من الخروج من ساحة لا تتعدى الأمتار المربعة. كنّا نغني لهم: “نحنا والدرك إخوان.. هنّي مين؟ حبابنا..هنّي مين؟ صحابنا.. من زمان وزمان”. حاولنا “التذاكي”، شبكنا أيدينا بأيدي بعض والتففنا على الأمن المتجمع على ناحية اليمين من المخيم، مشينا على مهلٍ نحو الوسط مشتبكي الأكتاف، كنّا لا نتجاوز العشرة صدّوا الطريق بالحديد. حاولنا المناورة، توجّهنا للخلف لنلتف من ناحية اليسار، إندفع نحونا الرائد ومعاونيه، صرخنا “سلميّة سلميّة”، النتيجة ما رأيتموه في صفحة الجريدة. في نفس الوقت، عندما التهى الأمن بنا، نصبت زميلة لنا خيمة، سارع الجنود لتمزيقها، دخلنا إليها لنحميها.. هزأنا: “النظام يريد إسقاط الخيمة”.
انتهى الأمر على سلام ورفعنا الخيمة، ناداني الرائد ليتحدّث إلي. أعرفه شخصياً من قبل، تعرّفت عليه أثناء عملي كصحافي من قبل، ولدي بطاقته من قبل. سارعت لأقول له: “أعرف الأمر ليس شخصياً وأنا لست بحقود، لا مشكلة”. شكرني وأعلن: “كنت أقوم فقط بواجبي”. لم يتسنى لي أن أرد على الرائد كما يلي، “ولكنني يا سيّدي كنت أقوم بواجبي أنا أيضاً”. حضرة الرائد، حضرة الملازم، حضرة الجندي، وحتّى حضرة المخبر، أنا أقوم بواجبي كمواطن لبناني يحاول أن يحصل على حقوقه فأتظاهر وأعتصم سلميا من أجل بناء مجتمعٍ أفضل. أنا أقوم بواجبي لأنني أريد بناء دولة ديمقراطيّة مدنيّة علمانيّة تحترمني كإنسان.
حاول النظام خنقي لأنّ اليد التي كانت على عنقي ليست بيد ضابط يدعى بإسم، بل هي يد نظام طلب من أمنه أن يمنعنا من الوصول إلى مباني مؤسساتنا التي انتخبناها. حاول النظام خنقي لأنني رفضته، لأنني تمردت عليه، لأنني قلت لا. لا للحرب الأهليّة، لا لسرقة المليارات، لا لكهرباء مقطوعة، لا لزواج مدني في قبرص، لا لمحاصصة وطائفيّة، لا.. هذه الـ “لا” لم تعجب نظام يريدنا أن نعيش بلاءين فقط: لا للسلاح ولا للمحكمة، ليقسّمنا ويبقى هو متسلطاً على العرش. حاول النظام خنقي لأنني عرّيته، لأنني قلت بأّنّ الطبقة السياسيّة متحالفة، متآمرة، عميلة للخارج وثرواتها تفوق ما لدى القذافي ومبارك وزين العابدين. أنا أحب الرائد، وأحب الجندي، وأحب المخبر، وأحب كل العاملين في الدولة ولكنني أكره النظام الذي يأتمرون به. أنا أحب الرائد فلن أفضح اسمه، ولن أرفع دعوى عليه, لكنني أكره النظام وسأرفع صوتي بوجهه: “نعم لإسقاط النظام الطائفي ورموزه”

لقراءة التدوينة والتعليق عليها: http://bit.ly/gKKU92

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *