الخوف لم يعد سلاحاً للتنازل عن الحق

الإنجاز الأهم بإجماع عدد كبير من المتابعين لأحداث ثورة 25 يناير هو كسر حاجز الخوف.

حاجز الخوف هنا لا يتمثل فقط في القدرة على النطق بكلمة “لا” فقط. بل في الإحساس بأن الشارع والبلد ملك أصحابه وملك كل فرد فيها. في أن الخوف ليس إلا وهم وأن كل ما هو سيء قد حدث بالفعل. بداية من مواجهة الأمن بقنابله المسيلة للدموع، ورصاصه المطاطي والحي وقناصته فوق أسطح المبانى.

كسر حاجز الخوف يعيد الثقة في النفس للأفراد. ويحول حقوق الإنسان في ذهنهم إلى واقع وحقوق فعلية لا يمكنهم التغاضي أو التنازل عنها. هذا هو واقع ما بعد الثورة وهذا ما يجب أن نتذكره دائماً.

اللى ملوش كبير.. يشتري له كبير. لكن دلوقتى كل واحد كبير نفسه.

*       *         *

حاول النظام طوال مراحل نزاعه الأخيرة أن يعيد بناء جدار الخوف، لأنه يعرف أن نجاحه في بث الخوف مرة ثانية هو الطريقة الوحيدة لاستعادة سيطرته على الأمور. لهذا بعدما نفذت كل ذخيرته في شوارع القاهرة والمحافظات ليلة 28 يناير. انسحب من كل الشوارع والميادين، ثم فتح السجون، وأخيراً بدأت آلته الإعلامية في بث الإشاعات بغرض إثارة الهلع في نفوس المواطنين.

كانت الخطة تهدف بالأساس لإعادة الخوف والتوجس.

*       *        *

هذا البنية والعقلية تبدو متجذرة فعلياً داخل المجتمع. كأن الخوف والقلق هو قدرنا. حتى بعدما سقط حسنى مبارك. وتبعه جهاز أمن الدولة، استمر الإعلام في صناعة الخوف وأصبح الخوف هذه المرة ليس من كمين شرطة غامض في منتصف الليل تخرج منه ميتاً ويقولون ابتلع لفافة بانجو، أو زنزانة تحت الأرض في مقر لأمن الدولة. بل الخوف هذه المرة من كل ما حولك. من هؤلاء الذين كانوا في الميدان، واللذين كانوا خارج الميدان.

السلفيين يخافون من العلمانيين، يجرون هنا وهناك ويقومون المؤتمرات بحثاً عن معركة لا تهم أحد يحاربون من أجل المادة الثانية رغم أن أحداً لم يتحدث عنها. الصوفيون يعلنون الجهاد والاستنفار للدفاع عن الأضرحة من هجمات السلفيين. والأقباط يتقوقعون أكثر داخل الكنيسة. الليبراليين وأنصار الدولة المدنية يخافون من الإخوان ويصرخون دائماً في بكائيات طويلة محذرين من استغلال الدين في السياسة. يهولون من حجم الأحداث والتصريحات وكل ما يتصل بأفعال التيارات الإسلامية والدينية. وفي منتصف كل هذا المواطن البسيط خائف من المواطن المختلف عن طبقته الاجتماعية لأن الفقير أصبح بلطجياً. والجميع خائف من الجيش. والجيش وسط كل هذا يبحث عن طوق نجاة، ولا يعرف ما الذي يريده، ولا يريد تسليم السلطة لمجلس رئاسي مدنى.

الضرر الأول للخوف هو العمى. تعجز العين عن رؤية الاختلافات ولا تري من المشهد سوى تصنيفيين خائن للثورة. أو من ثوار الميدان. العمى يتبعه العجز، فالخوف قيد. تصبح التحركات عشوائية وفي أحسن الأحوال تأتى متخبطة.

لهذا من الطبيعي أن نمر مبتسمين جميعاً بمهزلة مثل “التعديلات الدستورية” التى ورطنا فيها الفقية الدستورى المتر طارق البشري وصحبته الحلوة. فرحنا بالبقعة البنفسجية على الأصبع، ولم نعرف بعد الإعلان الدستورى الأسطورى للجيش ما الذى حدث؟ ولماذا صوتنا بالأساس؟ وهل كان طارق وأصحابه بيشتغلونا؟ أما أنهم ورطوا الجيش وورطونا بالتبعية؟

لم نهتم وانشغلنا بالحوار الوطنى الذى نظمه د.يحيي الجمل، ولم نعرف أيضاً لماذا هو حوار؟ ولماذا وطنى؟ وبما أنه لا توجد أجندة أو التزامات على لجنة الحوار الوطنى، فلماذا لا تتقابل هذه الشخصيات على قهوة أبوحمو وتشرب شيشية؟

لا أحد يعلم. نتخبط في جلباب الخوف، بينما شبح القهر والذل يطل من جديد.

*       *       *

في جلباب الخوف تصبح الانفعالات وردود الأفعال أيضاً مبالغ فيها. ولتلافي كل هذا “العك” يجب تفادى جميع أخطاء النظام السابق من تعمية وتغطية.

ويجب أن يعلم من في السلطة الآن سواء المجلس العكسري أو من سيأتى بعده. أن إسقاط النظام لا يعنى تخلى مبارك عن السلطة وإقامته في فيلا شرم الشيخ. بل تغيير نظام إدارة شئون البلاد وطريقة الحكم. حيث الحكم الآن للشعب الذي قام بالثورة. والشرعية مستمدة فقط من هذا الشعب.

لذلك فحتي لو أخطاء مجموعة من الضباط وخالفوا واجب البدلة العسكرية بانضمامهم إلى المظاهرات المدنية رغم رفض بعض الجماهير. فهذا مشكلة المؤسسة العسكرية، لكن أن يتحول الأمر إلي معركة يروح ضحيتها اثنان من شباب مصر واحد منهم (على ماهر) عمره لا يتجاوز 17 سنة إلى جانب 70 مصاباً، فهذا أمر يجب معالجته فوراً لا بإنكار ما حدث، بل بفتح تحقيق في الواقعة ومعاقبة المسئول فوراً.

نفس الأمر ينطبق على ما حدث في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وتكرر قبل ذلك مع المعتصمين بالتحرير في شهر مارس. ثم كانت قمة التجاوزات ما حدث في قضية المدون مايكل نبيل من خداع للمحاميين وإخبارهم تأجيل النطق في الحكم، ثم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بعد دقائق من خروج المحامين.

يضاف إلى ما سبق هذا البطء في تنفيذ مطالب الثورة، ولا يعقل أن ننتظر لمدة شهرين لمحاكمة مبارك بينما النشطاء من شباب الثورة والمدونين تتم محاكمتهم في أيام معدودة أمام محاكم عسكرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *