السؤال تطرحه ناشطة سورية على نفسها وجيلها، حين تنظر لما وصل إليه حال الثورة في بلدها اليوم.
الطفل الوليد الجميل كَبر اليوم واتضحت ملامحه، ففقد كثيراً من جماله، حتى أصبح في أوقات عديدة وحشاً يلتهم بعض أباءه الأوائل.
ثورة الياسمين أصبحت ثورة الرصاص والصواريخ، ومكان عدو قاتل واحد هو نظام بشار، طالت القائمة لتشمل حزب الله، ووحوش جديدة مثل “داعش” وأخواتها.
التفكير المباشر يقول: كانت سوريا قبل الثورة في حال أفضل، وكذلك كانت مصر وتونس واليمن.
لم تأتِ الثورة بالعيش أو الحرية أو العدالة الاجتماعية، بل أتت بالمزيد من الفقر والدماء.
بعد 3 سنوات يخبو الحماس ويخفت صوت الأحلام، السماء تعود أبعد مما كانت.
وفي كل مكان نعود إلى نفس الخيار البائس، خيار مرسي أو شفيق، النظام القديم بوجهه القومي أو النظام القديم بوجهه الإسلامي.
أهم سؤال وجودي في الثورة هو: هل سوريا التي يستعبدها آل الأسد إلى الأبد، والتي تسجن فيها طل المويلحي، وتنتزع أجهزة الأمن أظافر الأطفال في درعا، وحنجرة إبراهيم القاشوش في حماة، هي البديل الوحيد لسوريا المقسمة طائفياً التي تسيطر عليها الميليشيات وأمراء الحرب أو سوريا المحتلة أمريكيًا؟
هل الموت برصاص وطني هو البديل الوحيد للموت برصاص أجنبي؟
وهل من ينشدون “جولو للعالم مصر إسلامية”، هم البديل الوحيد لمن يرقصون على “تسلم الأيادي؟”
الإجابات التقليدية معروفة ومكررة إلى حد الإملال: يجب أن يقدم الثوار بديلا، الثوار لا ينزلون للناس، نظموا أنفسكم في حزب وشاركوا بالانتخابات ..الخ!
لكن الإجابة الأقرب هي أنه لا إجابة قريبة.
ثورات العالم في فرنسا وروسيا ورومانيا والصين استغرقت مراحلها عشرات الأعوام، الثورات تتعرض لانتكاسات وهزائم كاملة، لكنها تعود لأنه لم يعد ممكنا أن يرجع التاريخ إلى الوراء، لأنها وإن كانت بديلاً غير مكتمل، فإن سبب قيامها أصلاً هو أن البدائل المتاحة الأخرى تشهر إفلاسها.
بعد فورة هتاف “إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية” بدأ إخوان مرسي إدراك ضخامة ما ورطوا أنفسهم فيه من تحديات اقتصادية واجتماعية، حاولوا التصرف فأصبح حزبهم ينظم توزيع الخبز، ويراقب شبابهم المحليات والأنابيب والتموين، أما رئيسهم فأصبح يطرق أبواب الدول الأخرى بلا تمييز، فيؤيد روسيا وأمريكا والصين والخليج، المهم أن يجد حلاً للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة.
أي شخص أو جهة يصل إلى الحكم مع الهتافات العالية الإسلامية أو القومية، سيواجه بعد حين ظهور صوت البطون الجائعة، خافتاً لكنه أعلى من أقوى الأصوات.
الناس لن يأكلوا هتافات، ولن يسكنوا في لافتات.
هل كُنا على حق؟
بالتأكيد كنا كذلك، لأننا كنا نسمع “لصواب قلوبنا”، لأن بلادنا كانت وصلت إلى حالة من التجمد ليس لها حل من داخلها، بل يجب كسرها، حتى لو كان هذا الكسر سيؤدي للتغيير إلى الأسوأ في البداية، فهذا في حد ذاته يمنحنا الأمل في أن التغيير قد يصبح للأفضل. مجرد أن التغيير قد حدث بالفعل.
قبل الثورة كان الشعب كماً مهملاً، غير موجود أصلاً على حسابات الكبار الذين يتداولون السلطة فيما بينهم، الثورة منحت الشعوب كرسياً على منضدة اجتماعات السلطة، وأجبرت الجميع على السعي لاستمالتها أو تجنب غضبها، أو حتى تخويفها وتهديدها.
هذا الشعب المتقلب، القوي الجبار، الضعيف الغلبان، المتدين بطبعه، والعلماني بطبعه أيضاً، الذي تغير “مزاجه” عدة مرات في 3 سنوات، يمنحنا الأمل بأن مزاجه – الغامض غير المفهوم أحيانا – قد يرضى يوماً عن خيارات الثورة.
هل كُنا على حق؟
كل ما جرى بالفترة الماضية، ومن قبل بالتاريخ، يعلمنا أن كل الاحتمالات في الحقيقة مفتوحة حتى لو كانت مؤجلة. لا يقين بالنصر ولا يقين بالهزيمة، ولا تفاؤل كامل أو تشاؤم كامل. كل شيء من أفضل الاحتمالات إلى أسوأها، ومن أسرعها إلى أبطأها ممكن.
ولأن كل الاحتمالات ممكنة، ولأن كل الاحتمالات غير يقينية، فليس أمامنا إلا أن نبذل ما بيدنا، أن نحاول حتى تاتي اللحظة أو لا تأتي. ومادمنا نفعل ذلك فنحن على الحق.
فقط علينا ألا نخسر أنفسنا بينما ننتظر.